وكذلك عرفت مرة ثالثة أن تلك الحكاية لم تكن إلا خداعاً في خداع
قضيت الأسبوع الأول وأنا في همٍّ مُقْعِد مقيم. وهل كان يعوزني أن أدرس الأدب وفقه اللغة والتفسير؟ هل ضاقت معاهد القاهرة عن رجل مثلي حتى يرحل إلى العراق ليكون أستاذاً للأدب في مدرسة عالية؟ إنما كنت أرجو أن أؤدي رسالة عجز عنها الزيات والسنهوري وعزام، ثم قضى الحظ العاثر أن أكون رجلاً (عبيطاً) لا يدرك وجه المِحال، في أحاديث الرجال
وفي الأسبوع الثاني تلقيت رسالة من القاهرة: رسالة من الآنسة جيمي التي ملكت نهاي حيناً من الزمان، وهي تسأل وتلح في السؤال عن ليلى المريضة بالعراق. وللآنسة جيمي حقوق، فقد كانت أوهمتني في السنين الخالية أن الهوى إله معبود؛ وبالرغم من تجنِّيها في الأيام الأخيرة فقد أحسست أن إشارتها أمر يجب أن يطاع. ومنَّيت نفسي برضاها في الليالي المقبلات، حين يسمح الدهر بمسامرة الأنجم الزهر على ضفاف النيل. فهل تراني أعيش إلى ذلك العهد يا صديقي الزيات؟ وهل أعاقر الهوى من ذلك الرضاب بعد أن تدول دولة الفراق؟
ولكن ماذا أصنع؟ هل أخترع قصة جديدة عن ليلى المريضة بالعراق أصل بها إلى قلب الآنسة جيمي؟ وكيف وأنا رجل لا يجيد اختراع الأقاصيص؟ ومعشوقتي تميز بين الصحيح والمزيف من أحاديث الوجدان! رعاك الله يا جيمي وأراني وجهك الجميل؟
ما أعجب ما تصنع المقادير! هذا رجل يسأل عني بالتليفون تسع مرات في كل يوم؛ وهاهو ذا ينقلني بسيارته إلى منزله الفخم بالكاظمية، ويسألني كيف وجدت ليلى، فأتضاحك وأنا محزون، وأقرر أن ليلى اسم اخترعه العابثون من الشعراء؛ وعندئذ ينفجر الرجل بالبكاء ويقول: إن ليلى لا تزال مريضة بالعراق، ولكن العراقيين يتجاهلون ذلك، لأنهم في هذه الأيام مرضى بالجد والنشاط ولا يحبون أن يعرف أحد أنهم أهل وجدان. ولا تعجب إن كتم عنك رجال المفوضية المصرية أخبار ليلى، فهم قوم دبلوماسيون لا يرون الخروج على الوقار الذي تصطنعه حكومة العراق
وما أكاد أسمع هذا حتى أجذب الرجل من ذراعه وأمضي به كالمجنون لأعرف كيف حال ليلى، وما هي إلا لحظات حتى تقف السيارة على بيت متواضع في شارع العباس بن