للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صديقي

هذه الساعة الأولى بعد منتصف الليل، وستقرأ هذه الرسالة فتذكر انك أرقت في ليلة العيد بلا سبب معروف فلتفهم حين تقرا هذه الرسالة أن ذلك الأرق إنما كان هدية أرسلها إليك الغريب في بغداد، الغريب الذي يوحي الحزن إلى أشقياء الغرباء

والآن أطفئ المصباح لأعانق الظلام في المدينة السحرية التي شقي بليالها ملايين الرجال فلا أرى غير بصيص ضئيل لمصباح أقامته الحكومة على شاطئ دجلة، فافهم أنني أخاطب الأموات لان مصابيح الحكومة لا تدل على شيء ولا يهتدي بها غير لصوص الجيوب

الآن تهدا بغداد بعد أن تسدل أستارها على الغافين من السعداء والبائسين، ويبقى المسهد الغريب الذي لا يعرف ربيع القلب، ولا نعيم الجفون

في هذه الليلة تهدأ جُنوب، وتقلق جنوب، وجنبي هو الجنب الحائر تحت سماء بغداد.

في هذه الليلة تتلفت عيون فلا تراني، عيون كنت لها أمتع من إغفاءة الفجر، وانضر من بياض الصباح في هذه الليلة تشتاقني أكبادٌ رقاقٌ علمتها كيف تطيب ليالي الأعياد

ولكن لا باس، فسنعيش حتى نرد ديون الهوى، وسيعلم من أبكاهم الفراق أن الدمع لا ينفع، وسنرجو إلا يسمحوا لنا بعد هذه المرة بالتعرف إلى محطة باب الحديد.

أخي الأستاذ الزيات

لا انتظر منك دمعة عند قراءة هذا الخطاب، ولكن لي إليك رجاء، فاحفظ عهد أخيك ولا تمش في شوارع القاهرة إلا مشية الخاشعين، فليس في تلك المدينة بقعة إلا ولي فيها صبوات، وليس فيها شارع ولا مشرب ولا ناد إلا ولي فيه أحباب وخلان

ولو شئت لكلفتك تبليغ التحية إلى أصفياء القلب في مصر الجديدة، وفي الزمالك، ولكن مثلك وا أسفاه لا يؤتمن على نقل التحية إلى أسراب الملاح، فلتكن (الرسالة) رسولي إلى من أذالوا غاليات الدموع يوم رحيلي إلى العراق والسلام عليهم وعليك من الغريب الحزين

زكي مبارك

<<  <  ج:
ص:  >  >>