للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولهفة، فما هو إلا أن يمضي فيه إلى صفحات قليلة حتى تسلمه يمناه إلى يسراه إلى الزاوية المهملة في مكتبته، ثم لا يعود إليه. . . وكم قارئ كان لا يعرف الرافعي الشاعر الثائر العنيف في حبه وبغضه وكبريائه، فلما قرأ أوراق الورد عرفه فأحبه فاستخلصه لنفسه فما يعرفه من الأدباء إلا أنه مؤلف أوراق الورد

وكم وكم. . . ولكن أوراق الورد ما يزال مجهولاً عند اكثر قراء العربية وإن كان في مكتباتهم، لأن القارئ الذي يلذه أوراق الورد ما زال يتعلم في المدرسة كيف يقرأ ليستفيد ويضم فكراً إلى فكره، لا ليتسلى ويهرب من فكره! لأن العربية ليس لها قراء. . .!

ليت شعري أفي العربية كلها شاعر يستطيع أن ينظم ورقة واحدة من أوراق الورد أو يجمع معانيها في قصيدة؟ ابحثوا عن جمهور هذا الشاعر وقرائه يوم تسمعون قصيده. . .

أرأيت إلى المنجم الذي يمتد في الأرض ويتغلغل بعروق الذهب؟ إنه كنز، ولكن منذا يصبر على المعاناة في استخراجه والبلوغ إليه إلا أن يكون صاحبه أيد وقوة؟ إنه كنز يطلبه الجميع ولكنك لن تجد في الجميع من يقدر على استخلاصه من بين الصخور المتراكبة عليه وحواليه من طبقات الأرض إلا الرجل الواحد المحظوظ الذي يكون معه الصبر

إن أوراق الورد منجم من المعاني الذهبية، لو عرفه المتأدبون من شبابنا لوضعوا يدهم على أثمن كنز في العربية في معاني الحب والجمال يكون لهم غذاءً ومادة في الشعر والبيان

وكان الرافعي - رحمه الله - يعتز بأوراق الورد إعزازه بأنفس ما أنتج في أدب الإنشاء ويباهي ويفتخر؛ وما احسبه تعزى عن صاحبته بقليل إذ تعزى بما لقي من النجاح والتوفيق في إنشاء أوراق الورد؛ وكما تجد الأم سلوتها في ولدها العزيز عن الزوج الحبيب الذي طواه الموت، وجد الرافعي العزاء في أطفال معانيه عن مطلقته العنيدة. . . لقد فارقها ولكنه احتواها كتاب!

إن الأم لا تنسى زوجها الحبيب إذا فارقها وخلف بين يديها بضعة منه، ولكنها تجد العزاء عنه بشيء منه وإن قلبها ليخفق بذكراه في عيني هذا الحبيب الصغير. وكذلك لم ينس الرافعي ولكنه وجد السلوان. . . لقد أفلتت من يده ولكنها خلفت ذكراها معه، ذكرى حيةً

<<  <  ج:
ص:  >  >>