للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بيده مفتاح باب سجنه) إنها تبقى حية ما بقيت محافظة على لغتها؛ إنها تبقى مستعدة للتحرر والاستقلال مادامت مستمسكة بلغتها. أما إذا فقدت هذه اللغة فإنها تكون قد فقدت الحياة؛ تكون قد اندمجت في الأمة المستولية عليها وفقدت كل ما لها من عناصر الكيان. إنها تكون قد زالت من عالم الوجود وبتعبير أقصر (ماتت) بكل معنى الكلمة. إن اللغة التي تكون بهذه الصورة هي (روح الأمة وحياتها) وتمثل (أهم عناصر القومية وأثمن مقوماتها). أليست ميراث الأجيال الماضية وهدية الحوادث التاريخية بوجه عام؟ أفلا يحق لنا أن نقول إنها تربط الماضي بالمستقبل دائماً؟.

هذا ويجدر بنا أن نلاحظ، أيها السادة، فضلا عن كل ذلك أن الحياة ليست كل ما يهم الوجود. فإن هناك شيئاً آخر لا يقل أهمية عن الحياة وإن كان تابعاً له، ألا وهو الشعور. إن للأمم شعوراً كما للأفراد. فالشعور القومي بالنسبة إلى حياة الأمم مثل الشعور الشخصي بالنسبة إلى حياة الأفراد.

قلنا إن حياة كل أمة من الأمم تقوم بلغتها، ويجب أن نعرف في الوقت نفسه أن شعور كل أمة من الأمم يتكون من ذكرياتها التاريخية الخاصة بها

فالأمة التي تحافظ على لغتها وتنسى تاريخها، تكون بمثابة فرد فاقد الشعور، بمثابة فرد يغط في النوم، أو بمثابة مريض في حالة الإغماء. نعم إنه لا يزال على قيد الحياة، ولكن حياته هذه لا تكتسب قيمة إلا إذا استيقظ من نومه واستعاد الشعور الذي فقده مدة من الزمن

فيحق لنا أن نقول إن إهمال التاريخ القومي يكون بمثابة الاستسلام للذهول والكرى؛ وأما نسيان التاريخ المذكور فيكون بمثابة فقدان الشعور. . .

هذه حقيقة يعرفها جيداً رجال الحكم والاستعمار ويستفيدون منها دائماً، فهم عندما يستولون على أمة من الأمم يبذلون قصارى جهدهم لإبعاد ذاكرتها عن تاريخها الخاص. إنهم يتوسلون بكل الوسائل الممكنة لتخدير الأمة وتنويمها عن طريق الحيلولة بينها وبين تاريخها القومي. إنهم يعرفون جيداً أن الشعور القومي عند الأمم المحكومة يأخذ في الخمود والتضاؤل كلما أسدل النسيان سدوله على (التاريخ القومي) إلى أن ينعدم تماماً بنسيان التاريخ الخاص نسياناً تاماً

أما عودة الشعور القومي إلى مثل هذه الأمم المحكومة فلا تتم إلا باستعادة الذكريات

<<  <  ج:
ص:  >  >>