للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويتأمل مدة في ماضي أمتنا العزيزة، ويستمد من ذكريات هذا الماضي قوة جديدة لجهوده القادمة. ولهذا أقدمت على تحيته باسم دائرة الآثار القديمة

إنني لا أحب المغالاة في مثل هذه الأمور، بل أنزع دائماً إلى مجابهة الحقائق من كل وجوهها. وبعد أن شرحت لكم ما أعتقده في خطورة الدور الذي يلعبه التاريخ في حياة الأمم أرى من واجبي أن أقول لكم كلمة عن مضاره أيضاً، لكي أحذركم منها

إن الحياة الاجتماعية غاية في التعقد؛ والعوامل الاجتماعية في منتهى التشابك. ولذلك قلما نجد بين تلك العوامل ما هو مفيد على الإطلاق، ومجرد عن الشوائب والأضرار في كل الأحوال. إن الفوائد والأضرار في الحياة الاجتماعية تتشابك بشكل غريب، فاقتطاف الفوائد مع توقي الأضرار يحتاج إلى يقظة كبيرة وانتباه شديد في معظم الأحوال

إن تأثير التاريخ والماضي في حياة الأمم، لا يشذ عن هذه القاعدة العامة، فإنه أيضاً قد يصبح مضراً في بعض الأحوال

فإن التاريخ يكون مفيداً عندما يفرغ في شكل (قوة دافعة) تحركنا إلى الأمام كما ذكرت لكم؛ غير أنه يصبح مضراً إذا أخذ شكل (قوة جاذبية) تدعونا إلى العودة إلى الوراء. فلا يجوز لنا أن نعتبر الماضي هدفاً نتوجه نحوه، ونسعى للعودة إليه، بل يجب علينا أن نجعل منه (نقطة استناد) نستند إليها في سيرنا إلى الأمام، يجب علينا أن نكون منه قوة فعالة حافزة تدفعنا نحو المستقبل الجديد، وبتعبير أوجز: شعارنا في هذا الباب يجب أن يكون: (تذكر الماضي، مع التطلع إلى المستقبل دائماً)

واسمحوا لي أن أشرح لكم قصدي من هذا الشعار بذكر بعض الأمثلة:

كلكم تعلمون أن سيرة خالد بن الوليد من أجلِّ السير التي سجلها التاريخ، فيجب علينا أن ندرسها بكل اهتمام؛ ولكن لماذا ولأي قصد؟ ألقصد الحصول على دروس في فنون التعبئة والحرب؟ كلا؟ فإن الخطط الحربية التي كانت تضمن النجاح والنصر في عصر خالد بن الوليد لا يمكن أن تفيد في هذا العصر بوجه من الوجوه. ولا مجال للشك في أن الخطط الحربية التي تضمن النصر والنجاح في عصر الدبابات والطيارات والغواصات والمدافع الضخمة والقذائف الهدامة والغازات الخانقة - تختلف كل الاختلاف عن الوسائل التي كانت تؤدي إلى النصر في حروب العصور السالفة. فكل من يحاول أن يجد في خطط خالد

<<  <  ج:
ص:  >  >>