للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما الصعيد فلم تهدده غزوات تقريباً؛ إذ ليس له جيران في الشرق ولا في الغرب؛ ثم إن الصحراء نفسها كانت بمثابة سد منيع ضد أي إغارة من الجهتين

أما من جهة الشمال والجنوب فقد كان من السهل الدفاع عن البلاد بمقدمة حربية لا تزيد على ميل أو ميلين بل لا تزيد أحياناً على بضع مئات من الياردات

وكانت الدلتا من جهة الشمال سداً منيعاً ضد غزو الأسيويين من الشرق والليبيين من الغرب

أما من جهة الجنوب فإن القبائل المتوحشة في النوبة العليا والسودان لم تزعج مصر إزعاجاً يذكر إلا في عهد الفاتح بعنخي في القرن الثامن قبل الميلاد

على ذلك نرى الأحوال في الصعيد كانت تنعم بالاستقرار الذي كان ينقص الدلتا. وفي كل مرة تقع فيها الدلتا فريسة للغزو الأجنبي نرى الصعيد ينجو منها ويصل تقدمه السياسي والاجتماعي، بل يكون على استعداد عندما تتخلص البلاد من غزاتها الأجانب أن يعيد المياه إلى مجاريها في الداخل والعمل على توسيع ملكها في الخارج

مصر قبل الأسرات

كانت مصر العليا والنوبة قبل قيام الأسرة الأولى في يد جنس واحد له مدنية واحدة ونسميه شعب ما قبل الأسرات. ولا يزال البحث العلمي يكشف لنا شيئاً عن هؤلاء القوم الذين يمكننا أن نتبع حوادثهم في مقابر البدارى، وعندما نسمع عنهم لأول مرة لا نراهم متوحشين بل نجدهم قد عرفوا النحاس ولهم فنونهم وحرفهم؛ وأهم من كل هذا أنهم عرفوا الزراعة واشتغلوا بها

وهذه الحقيقة الأخيرة هي أساس فهم حياة مصر الاجتماعية، فنظامها قائم على الزراعة - ولا نعرف أين نشأت لأول مرة بل ليس من المؤكد أيضاً أنها ظهرت في تلك الجهات مثل وادي النيل أو الفرات حيث الظروف أكثر مناسبة لها، وإنما يمكننا أن نقول إن الزراعة وما تطلبته من صناعات تقدمت بسرعة بعد أن قامت في مصر وأخذت تؤثر في أخلاق الناس ونظمهم

أما الصيد وهو إحدى الوظائف الثلاث الهامة التي أشتغل بها الإنسان الأول فلم يلعب دوراً هاماً في الحياة المصرية. نعم يرجح أن الصحراء التي تقع على جانبي وادي النيل كانت

<<  <  ج:
ص:  >  >>