ثم حجرة الملابس، ياله منظرا مهيباً ومقاماً هائلا! صف ينتظم السلاطين من الفاتح إلى عبد المجيد. هاأنت ذا في حضرة السلاطين الذين رجفت بهم الأرض قرونا وامتلأت صفحات التاريخ أجيالا. هوّن عليك لا تُرَع. ما هي إلا ألبسة تحملها أعواد. أجل! هذه الجبة، وهذه العمامة الكبيرة، وهذه الشارة (سرغوج) التي تعلو العمامة محلاة بالماس، وهذا الخنجر المذهب الذي تثقله هذه الزمردة الكبيرة - أجل هذا لباس الفاتح وزينته وسلاحه، ولكن لا تُرَع إن هو ألا لباس على أعواد. اضحك إن شئت، وتحدث كما تشاء، ولا تأخذك هيبة الفاتح وصولته، وإن شئت فقف خاشعا مطرقاً مفكراً فإنها ذكرى واقعة وتاريخ ماثل، فإذا أخذتك سورة الذكرى واستشعرت رهبة الملك فارفع رأسك وانظر فليس أمامك الفاتح، ولكن جبته وقفطانه وعمامته وخنجره.
وانظر بجانبه ملابس بايزيد الصوفي: عقد من الزمرد حول حلقة من الجواهر يزين هذه العمامة، وعلى مقبض الخنجر ثلاث قطع من الفيروزج زرقاء صافية. وتقدمت فوقفت أمام سليم وسليمان! ولست أبالي حضرة سليم وسليمان، فقد ذهب الدهر بسليم وسطواته، وذهبت الريح بملك سليمان.
وانظر إلى من بعد سليم وسليمان: هذان سليمان الثاني ومحمد الرابع على رأسيهما عمارتان تخالفان ما رأيت قبلا، عمارة حمراء عليها لفافة صغيرة، وشارة عظيمة جداً؛ ثم انظر العمائم الطويلة المضلعة على رأس مصطفى الثاني ومن بعده.
وهذا محمود الثاني الذي بذل في اٌلإصلاح جهده وبطش بالإنكشارية بطشته في زي أوربي على رأسه طربوش عليه قطيفة سوداء وشارة. ثم عبد المجيد على رأسه الطربوش والشارة فقط. وهكذا يسير التاريخ متمهلا من أبهة الماضي واستقلاله وجلاله إلى يسر الحاضر وتقليده وجماله.
وفي وسط الحجرة صوالج لعبت بالأمور حتى لعبت بها الأقدار. وليت شعري ما خَطبُ هذا المهد السلطاني الصغير؟ بل أي طفل من بني السلاطين ترجّح فيه، وأي يد من أيدي الأميرات أو الخادمات هزته؟ وماذا كان حظ صاحبه من هذا المهد إلى ذاك اللحد؟
وأما هذا العرش العظيم المسبغ الجوانب ذو القوائم الأربع فيقال إنه عرش الشاه إسماعيل. . .