للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَحتقرُ الأعشابَ تحني رُءوسَها ... فتسلَمُ من رَيْبِ المنونِ وتُفْلِتُ

تدورُ مَعَ الإِعصارِ حيثُ يُديرها ... ويلطِمُها هوناً فترضى وتسكُتُ

وإني لأهوى الليث يستعذبُ الطوى ... ويأنفُ أن يُدنى إلى جيفةٍ يدا

يسيرُ أَشَمَّ الأنفِ مستكبرَ الخُطا ... فترتجفُ البيداءُ إن راحَ أو غدا

ويَجْبهُ وحشَ البيدِ في حُرِّ وَجْهها ... ولا يَدَّري أعداءه مُتَصَيِّدا

وتحقرُ عيني ثُعلباناً مخادِعاً ... جَباناً خليعَ القلبِ يغدِرُ بالعِدا

يُصيبُ فُضالاتِ السّباع وينثني ... ليشكرَ رزّاق العبيدِ ويَحْمدا

أحبُّ الفتى يَفري الفلاةَ مُهَجّراً ... فلا يشتكي أيناً ولا يتظلَّمُ

إذا لذَّعتهُ الشَّمْسُ سَدَّدَ وَجْهَهُ ... إليها حديدَ الطَّرفِ لا يتبرَّمُ

ويمشي على الرَّمضاء مُتَّئِدَ الخُطا ... جَليداً، ونيرانُ الرمالِ تضرَّمُ

وأَحقر نكساً يستظلّ بغيره ... ويخفضُ رأساً وهو شاكٍ يدَمْدِمُ

تساورُهُ الأَشباحُ في القفرِ رَهْبةً ... فَيَرْعَشُ منهُ القلبُ والطَّرفُ والفَمُ

أحبُّ الفتى والغُلُّ يثقلُ عُنُقَهُ ... وسيفُ الأَعادي بينَ عينيهِ مُشْهَرُ

يصيحُ بأعلى صوتِه ينكرُ الأَذى ... ويضحكُ من بطشِ الطُّغاةِ ويَسْخَر

ويشمخُ بالأَغلالِ رأساً وإن غدتْ ... تَحُز ومن أنيابها الدَّمُ يَقْطُرُ

وأحتقرُ الأحرارَ يحنونَ رأسهم ... وليس عليهم سَيِّدٌ أو مُسَيْطِرُ

إذا كانَ قلبُ المرءِ عَبْداً ورَأْيُه ... فَقُل لي - هُديتَ الخيرَ - ماذا تُحَرِّرُ

(دمشق)

أمجد الطرابلسي

<<  <  ج:
ص:  >  >>