تتابع بينولولةٍ ... وبين مدامع تترى
وفي كل يوم تزيد شدتها وتذكو سكرتها ويضيق أفقها. وفي ساعة اقتحمت عليها السبيل فتاة، وأخبرتها بما سمعت عن فعل (بسر ابن أرطاة) بولديها. فأن معاوية أخرجه لينكل بشيعة علي، فمضى في سبيله حتى انتهى إلى اليمن، ولما لم يجد عاملها يتلقى عقارب كفه اقتص من ولديه وذهب بشفرته.
وكان هذا كافيا لفقدان وعيها، وطيران عقلها، ولكنها أبت أن تصدق، وألا فكيف يموت عزيزان في لحظة، ثم هامت على وجهها، تناشد المواسم والمجامع بقولها:
يامَنْأحسّ بُنَيَيَّاللذيْنهما ... كالدرتيْنتشظّى عنهماالصدفُ
يامَنْأحسّ بُنَيَيَّاللذيْنهما ... سَمعْي وطرفي فطرفي اليوم مختَطَف
يامَنْأحسّ بُنَيَيَّاللذيْنهما ... مُخُّ العظامفمخي اليوممزدهف
نُبِّئْتُ بُسْراً وما صدّقت ما زعموا ... من قولهم ومن الأفك الذي اقترفوا
أنحىعلىودَجَىطْفليّ مرهفةً ... مشحوذةًوعظيمالإفكيقْتَرَف
مَنْ دَلَّ وآلهةًحريّ مُفجَعَّة ... على حبيبيْن غاباإذ مضى السَّلَف
أما عبيد الله بن العباس فقد انتزع منه حشاه، عزف عن الدنيا وأحس زخرفها شوكا ففارقته الهناءة كما تنبأ بسر بذلك.
آه لو ملك القاتل! إذن لنبش عن قلبه وان لم يكن من قبل فظاً. آه من معاوية ورهطه! قوم غرب الإيمان من قلوبهم واشتروا دنياهم بدينهم. آه! وآه على نجمين قد أفلا في ساعة من نهار. هذا ما يثور بفؤاده.
تبدل برجل آخر سقيم الجسم دقيق العظم مشتعل الرأس. وشاطره همه ابن عمه علي ولعن القاتل ودعا عليه بالجنون والمروق وأجاب الله دعوة وليه، فإذا بسر مخبول يهذي ممسكا بسيف من خشب وزق من جلد منفوخ ما يفتأ يضربه بسيفه حتى تهن قواه، وكان خبله يقوى تارة ويضعف أخرى
مضت سنوات ودخل بعدها عبيد الله على معاوية أبان ملكه، وكان عنده بسر، فقال له عبيد الله: (أأنت قاتل الصبيين أيها الشيخ؟) قال بسر: (نعم أنا قاتلهما) فقال عبيد الله: (أما والله لوددت أن الأرض أنبتتني عندك) قال بسر: (فقد أنبتتك الآن عندي) قال عبيد الله: (ألا