السياسيين في إبداع الحيلة والاستعداد للمخرج، ولكن لم يكن له في يوم من الأيام هوى مع أحد من أقطاب السياسة، أو يعرف له رأياً فيها، أو يدري من خبرها أكثر مما يدري رجل من سواد الناس يقرأ جرائد المتطرفين والمعتدلين على السواء
ولم يكن للرافعي أجر على هذا المنصب في حاشية الملك، إلا الجاه وشرف النسب، وجواز مجاني في الدرجة الأولى على خطوط سكة الحديد، ودلال وازدهاء على الموظفين في محكمة طنطا الكلية الأهلية، حيث كان يعمل جنباً إلى جنب مع مئات من الكتبة والمحضرين وصغار المستخدمين. . . . . .!
ولكنه إلى ذلك قد أفاد من هذا النسب الملكي فوائد كبيرة؛ فقد تعطف الملك الكريم فأمر بطبع كتاب (إعجاز القران) على نفقة جلالته؛ كما أذن بإرسال ولده محمد في بعثة علمية لدراسة الطب في فرنسا؛ فظل يدرس في جامعة ليون إلى سنة ١٩٣٤ على نفقة الملك، حتى شاء الإبراشي باشا لسبب ما أن يقطع عنه المعونة الملكية ولم يبق بينه وبين الإجازة النهائية غير بضعة أشهر، فقام أبوه بالإنفاق عليه ما بقي. ومن أجل ما كان يرسل إلى ولده كل شهر في فرنسا من نفقات العيش والجامعة كان هو يعمل في (الرسالة) بأجر، وإن عليه من أعماله الخاصة ما ينوء به جسده وتنتهك أعصابه. . .!
قلت إن الرافعي ظل في حاشية الملك فؤاد إلى سنة ١٩٣٠ ثم كان بينه وبين الأبراشي باشا أمر - بعد موت المرحوم نجيب باشا - فسكت؛ إذ خشي أن تعصف به السياسة أو تعبث به الدسائس فترمي به إلى تهلكته. . .
حدثني الرافعي قال: (كنت في عهد نجيب باشا أذهب إلى القصر فيلقاني بوجه طلق، ويحتفي بي، ويبسط لي وجهه ومجلسه، ويثلج صدري بما يروي لي من عطف المليك ورضاه؛ فما أغادر القصر إلا وأنا اشعر كأن نفسي تزداد عمقاً وتمتد طولاً وتنبسط سعة؛ ثم جاء الأبراشي باشا، فلم تدعني داعية إلى لقائه حتى كان يوم وجدتني فيه منطلقاً إلى هناك، لأسأله في أمر من الأمر. . .
قال: (وذهب الساعي إليه بالبطاقة ودعاني إلى الانتظار، فجلست، وما أظن إلا أنها دقائق ثم أدعى إليه. . . وطال بي الانتظار، ومضت ساعة، وساعة، وساعة، وأنا في هذا الانتظار بين الصبر والرجاء؛ وحولي من ذوي الحاجات وجوه عليها طوابع ليس على