يخرج بها إلى حيز العمل. إذ ليس في تسلسل ذراري الملوك، ولا في قصص المعارك والحروب التي تشكل لب التاريخ المدرسي نستطيع أن نبحث عن تلك المواد. وإنما نجدها في درس اللغات والفنون والآداب والمعتقدات والتعاليم السياسية والاجتماعية لكل عصر من العصور. وأما المواد الغريبة لحضارة ما فلا يمكننا أن نعتبرها نتيجة هوى الناس أو القدر أو إرادة الآلهة، ولكنها وليدة الحاجة والفكر والعاطفة في الذراري التي تجلت فيها، فإن ديناً ما وفلسفة ما وأدباً ما وفناً ما قد يحتوي على أشكال ثابتة من الشعور والتفكير ولا يحتوي على غيرها. ومما لا جدال فيه أن الأعمال والآثار تتلو علينا أفكار أصحابها. إنها تقرأ علينا أفكارهم وتسمح لنا بأن نؤلف صورة ذلك العصر. ولكن هذه الصورة تبقى ناقصة فيجب علينا أن نوضح تركيبها، لأن الشعب الذي يدرس في لحظة معينة لم يتكون في وثبة واحدة. وإنما هو وليد ماض طويل بعيد، ووليد مؤثرات مختلفة للبيئة التي نشأ فيها وخضع لها، ولذلك وجب علينا أن نرجع إلى ماضي ذلك الشعب حتى يمكننا تحليل وضعه الحاضر. وبالإمكان أن ندعو دراسة هذا التكوين القائم من مواد مختلفة متنوعة يتألف منها المجتمع بعلم الجنين. وهذه الدراسة تغدو قاعدة راسخة للمؤرخ في عمله، كما هو الحال في أن علم تشكل الكائنات الحية أصبح اليوم أمتن قاعدة وأصدق مرجع لعلماء طبقات الأرض
كائنات حية ومجتمعات يجب أن تمر بتطور بطيء يبدل مظاهرها الخارجية قبل أن تصل إلى حالات الكمال، وهذه المظاهر المختفية لا يوحيها علينا التاريخ دائماً. فكم من حدود لهذه المظاهر قد توارت حالياً! وإنما الملاحظة وحدها تسمح لنا بأن نستدعي الحدود الضرورية؛ وكالكائنات الحية نرى أن كل المجتمعات لم تبلغ بذات الأجيال انقلابها، وأنت ترى أن كثيراً منها لم يجتز بعد هذه المراحل التي انتهى العرب من اجتيازها، هذه المراحل التي تمثل صورة الماضي الثابتة. وقد يستطيع السائح في أرجاء الأرض أن يرى المجاري الرئيسية أو المراحل الأساسية لتاريخ الإنسانية منذ العهد الحجري حتى العهد الحاضر وبهذا يمكننا أن نتوصل إلى تمثيل ماضي شعب ما، وتمثيل تطور المواد التي تألفت منها حضارتها
هنالك مواد مختلفة: منها العمارة والأدب واللغة والتعليم والاعتقاد نستطيع أن نستفيد منها