وانْحَنى النَّهْرُ عَلَيْهَا مُعْجَباً ... يَغْبِطُ الفُلْكَ عَلَى رُبَّانها
هَزَّتِ الواديَ من أركانه ... فَرْحَةٌ وأتَتْهُ في إبَّانِها
ها هنا وَرْدٌ، وَرَيْحَانٌ هنا ... ورموزٌ زِيدَ في إتقانها
وطُيُوفٌ حُوَّمٌ خافِقَةٌ ... أرسلتها الخُلْدُ عن ولدانها
وجُمُوعٌ تلتقي مَزهُوَّةً ... بضُروب اللَّهْوِ في ميدانها
فَرْحَةٌ في الكوخ والقصر مَعاً ... في قرى مِصْرَ وفي بلدانها
في صَعِيدِ الأرض، في أبْطَحِها ... في ربوع النيل من سودانها
يَلْتَقي الناسُ عليها عُصْبَةً ... شيبُها والغُرُّ من شبانها
زُمْرَةُ المحرَاب من أشياخها ... ورُعاةُ الدَّيْرِ من رهُبانها
صاحِبُ الجاه على تُرْبَتِها ... وَمُجيلُ الفَأس في غيطانها
رّدَّها في العَيْنِ أبهى مَنْظراً ... قُرَّةُ الأعْيُنِ من غِلمانها
أقْبَلَت والحسنُ في غُرَّتها ... تُبْهجُ النظَّارَ من ضِيفَانها
دَلَّهَتْ مِصرَ وفاضَتْ فَسَرَتْ ... هِزَّةٌ منها إلى جيرانها
مَلِكَ النيل تَلاقَتْ أمّةٌ ... أفْصَحَتْ بالبِشْرِ عن شُكْرَانها
شَكَرَت بَعْضَ الذي أسْدَيتهُ ... فَتَهَانيها صدى عِرْفانها
لكَ في الخير يدٌ هَطَّالَةٌ ... لا تَنِي تُغْدِقُ من إحسانها
وسَجَايَا قد تَفَرَّدْتَ بها ... أَجْمَع الشَّعْبُ على استحسانها
قد حَمَلْتَ العِبَْء فيها يافِعاً ... فَشَأَوْتَ الشمْسَ في مِيزانِها
إن دجا الرأيُ عليها والتوى ... فَسَنا رأُيكَ من فُرْقانها
عَشِقَتْ فِيكَ شَباَباً ناضراً ... دبَّ مثْلَ الروح في جثمانها
تُقبلُ الدنيا فلا تُزْهى بها ... وتُطيع اللهَ في عصيانها
زدْت بالتقوى جَلاَلاً وهُدىً ... وأوَتْ مِنكَ إلى عُنْوانها
أنْبَتَ المجدُ بِمصْرٍ دَوحَةً ... أنت أزكى الشُمِّ من عيدانها
يا مليكا باهت الدنيا به ... أمةٌ تُغُليكَ عن رُعْيانها
أنت يا فاروق في مقلتها ... وهْيَ كالمقْلَةٍ من إنسانها