وكان الشعب مشاركاً في الأفراح ليلاً ونهاراً، ولم تبق شيخة أو كهلة أو فتاة في بيتها، وكن يلهجن بذكر العروسين ويفضن في شرح حالهما وأمرهما حتى أصبحا مجال البحث وموضع الحديث في كل شارع وطريق وزقاق ومحفل
ومن أساطير ذلك الزفاف الملكي أن الملكة العروس دست على خطيبها فتاة ذات حسن رائع من وصيفاتها وقالت لها:(اذهبي وانظري ألبرت خطيبي وافحصيه فحصاً ثم عودي فخبريني أي امرئ هو، وصفيه لي وانعتي خلاله ومزاياه وشمائله وسجاياه)
ونسى واضع الأسطورة أو واضعتها أن الملكة إنما خطبت عُرْسها على عينها وتخيرته بنفسها وأحبته للوهلة الأولى، ولكن ما الحيلة في أخلاق الشعوب وخصوبة أخيلة النساء وثرثرتهن حتى فيما ليس لهن به من علم؟ وحتى لو كن من أهل الشمال الأوربي البعيدات القاصيات النائيات عن الشرق وأساطيره. ولكن المرأة هي المرأة في كل زمان ومكان من شمال القطب حيث يقطن الإسكيمو إلى جنوب أرض النار (تيراد يلفويجو)!
وما أنس لا أنس الزينات التي قامت على قدم وساق في البر والبحر، فقد أمرت الملكة ألا يخرج صائد ولا باحث عن رزقه بين الأمواج خلال أسبوع الزفاف، وأجرت على الفقراء والعائلين أرزاقاً أغنتهم عن خوض غمار البحار في سبيل القوت والصيد فحشدوا سفائنهم ومراكبهم وزوارقهم وزينوها بالأعلام والمصابيح، وأقاموا مراقص شعبية تسمى بالهولندية كيرمس أو (دعكة) يشربون فيها الجعة والجين اللاذع، ويختالون في سراويلات ملونة ويحتذون أحذية من الخشب المنحوت، وهم بين كهل وفتى يراقصون الفتيات على أنغام الموسيقى الهادئة ذات الحنين المشجي؛ ولا يدري مقدار ما يُجمل أولئك الفتيات البحريات من أهل ساحل هولندا من فتنة السذاجة المستملحة وسحر البساطة المستعذبة إلا من رآهن رأي العين. وقد كان هذا الزفاف في عرفهن طارئاً عظيماً وحادثاً جليلاً، وقد اتخذن من التحلي والتزين له واقعة وتاريخاً وذكرى خالدة. وقد صورت الصحف مناظر الموكب والأفراح والمراقص، وما أزال أذكر صورة بالألوان البهيجة تمثل امرأة عانساً في الأربعين من العمر دهنت وجهها وزججت حاجبيها لترقص مع شيخ بحار من صائدي الحيتان وقد اصطنع لنفسه لحية تحيط بذقنه وعارضيه دون أن تدنو شعرة واحدة من شفتيه