للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يستهل الكاتب حديثه قائلاً:

لقد نازعتني عوامل التردد والإحجام قبل أن قررت الكتابة في موضوع (الأوهام والمخاوف)، ذلك لأن طائفة كبيرة من المخاوف التي تعتور نفوس الناس، إنما هي بلا جدال تعزى إلى كثرة ما كتب في هذا الصدد. وكم كنت أتمنى لو أن لفظة (مركب الضعة أو الشعور بالحطة) لم تخرجها المطابع إلى الوجود، إذن لما خطر لملايين البشر بأنهم مصابون بذلك، ولنقص خوف من مخاوفهم ووهم من أوهامهم

والواقع أن معظم المخاوف لا تنشأ عبثاً، بل تتولد عموماً من الإغراق في المطالعة والإكثار من التفكير والكلام. فنحن نتعهدها ونرعاها ونغذيها حتى تستحيل من أمر بسيط في غاية البساطة، وشيء تافه بعيد عن الخطورة، إلى هم مقيم وعذاب أليم

إن الأم التي تكثر من مطالعة الكتب المختصة بتربية الأطفال وتحرص كل الحرص على الإحاطة بدقائقها وأسرارها تصبح شديدة المخاوف. والفتاة التي تهتم بمظهرها الخارجي وتكلف كل الكلف بأناقتها سرعان ما يزداد قلقها ويتعاظم هلعها مما يراه الناس فيها، والجماعات التي تدقق البحث في أحاديثها ومناقشاتها عن وضع البلاد يؤول تشاؤمها في الغالب إلى الخوف

وصلتني رسالة من فتاة تبتدئ كما يلي:

(منذ أن بلغت السادسة عشرة من عمري كنت أخاف من التحدث إلى الغرباء. ثم تستمر الرسالة في تعداد مخاوف أخرى، كالخوف من رئيسها، والخوف من الرجال، والخوف من سوق السيارة، والخوف من تقديم تقرير في ناد للبنات، وغيرها من المخاوف التي بلغ عددها). وجميعها مخاوف من صعيد مشترك واحد، يقاسي منها ملايين البشر. والنتيجة لهذه المخاوف، في كل حالة تقريباً هي واحدة: نوع من الشلل الزاحف، شعور بالبؤس والاختناق والروع والرعب والهزيمة

شكا إليّ شاب بأن النوم يجفوه، وبعد أن شرح لي شرحاً سيكولوجياً مسهباً على ما أصابه سألني: (هل تستطيع أن تساعدني على التخلص من هذه الهواجس والوساوس؟ فأجبته: لا. فتوسل إليّ قائلاً: إذن، ماذا أستطيع أن أعمل؟ فاقترحت عليه أن يركض في الليل حول الحي الذي يعيش فيه حتى يكل وينصب ويبلغ به الجهد حداً يشعر معه بأنه سوف يسقط

<<  <  ج:
ص:  >  >>