وخلق كمخضل النسيم بروضة ... ذوائبه نفَّاحة وجدائله
يمس جبين النيل في رفق عاشق ... وتفتح أكمام الزهور مساحله
دعوت إليك الشعر فانقاد صعبه ... وقد كان قبل اليوم شُمساً جوافله
وما كدت أدعو الوحي حتى سمعته ... تبادهني آياته ورسائله
خيال إذا أرسلتُهُ إثرَ نافر ... أتت بأعز الآبدات حبائله
ولفظ كوجه الروض في ميعة الضحى ... وقد صدحت فوق الغصون عنادله
إذا قلته ألقى عطارد سمعه ... وساءل شمس الأفق من هو قائله
وإن سارت الربح الهبوب بجرسه ... فآخر أكناف الوجود مراحله
إذا ذكر الفاروق فاض معينه ... وثجت قوافيه، وعبَّت حوافله
يقول وما لي حين أكتب قوله ... من الفضل شيء أني ناقله
رأى ملكاً يحيا القريض بوصفه ... فضائله جلت، وعمت قواضله
رأى ملكاً يزهى به الدين والتقى ... شمائل أملاك السماء شمائله
رأى ملكاً كالنيل، أما عطاؤه ... فغمر، وأما المكرمات فساحله
فغرد بالأجواء باسمك طيره ... وردد في الآفاق ذكرك هادله
وصاغت لك التبر المصفى فنونه ... وحاكت لك البرد الموشى أنامله
ولم يبق من نسج السحائب زهرة ... ترف ندى إلا حوتها فواصله
وصب شعاع الشمس تاج مهابة ... لمن توَّجته بالفخار فضائله
وفك رموز السحر من أرض بابل ... لأجلك حتى استنجدت بك بابله
أعدت له عهد الرشيد فأسرعت ... إلى سدة الفاروق تشدو بلابله
وما أنت في الأملاك إلا قصيده ... تفاعليها البر الذي أنت فاعله
يهب طريح الشعر في دولة النهى ... وتلهم أسرار البيان مقاوله
حملت له الريحان يوم زفافه ... نضير الحواشي ينشر المسك خاضله
أزاحم للفاروق حشداً كأنه ... خضم من الأمواج، ضاقت سبائله
يغطى أديم الأرض عز اختراقه ... وسدت على أقوى الرجال مداخله
إذا أنت لم تعرف مدة أخرياته ... فسل طرفك المحدود أبن أوائله