الدليل الثالث: كلنا يعلم أن التركيب الكيميائي يعطي مُركباتٍ ذات خواص لا توجد في العناصر المركبة، فتركيب كلور الصوديوم من الكلور والصوديوم يكسب المركب خواص مغايرة لخواص كل من عنصريه فَلِمَ لا تكون الحياة مركباً ناشئاً من مركبات مختلفة؟
الدليل الرابع: لقد سمحت لنا التجارب الحديثة بمشاهدة بعض المماثلات والمناسبات الغريبة بين بعض صور الموجودات الحية وبين صور بعض الأجسام البللورية؛ فمن هنا نرى أنه يمكن إيضاح الحياة ميكانيكياً مثلها
ولكن هذه الأدلة لم تسلم من الأعتراض؛ فقد اعترض عليهم بعض الفلاسفة فقالوا:(إن العلماء حتى اليوم لم يستطيعوا أن يركبوا الحياة) غير أن هذا الاعتراض يستند إلى أساس أو هي من بيت العنكبوت. وهذا الأساس ليس إلا تلك التجربة التي قام بها (باستور) وأثبت عدم إمكان التوالد العضوي. فإذا لم يوصلنا العلم حتى الآن إلى تركيب جسم حي فلا بد أننا في المستقبل نستطيع ذلك. على أن كلام باستور:(إن الحي لا يتولد إلا من الحي) لا يمكن أخذه كمبدأ أساسي ما دام العلم في ارتقاء وتقدم مستمرين، وها هو (ليبنيز يقول: إن كل شيء في العالم يحدث ميكانيكياً. ولكن يجب أن ترتقي إلى مبدأ أعلى، وهو المبدأ الميتافيزيكي ليتجلى لنا إيضاح الميكانيكية نفسها: على أن في الحياة نظاما واتساقا خاصا لا يمكن تعليله في الحياة الميكانيكية فقط؛ مع أننا لا ننكر أن كثيراً من الحوادث الحيوية يمكن تعليها بالحوادث الميكانيكية. فقد قال (كلود برنارد ليس تكوُّن الجسم الحيوي من مجموعات عناصر كيميائية هو كل ما نمتاز به، بل هو الحياة أي القوة الحيوية التي لا توجد في الكيمياء، كاتجاه أعضائنا كل منها إلى غاية كغاية القلب وغاية المعدة. . . فنحن في هذه النظرية في عالم الأفتراض؛ لذلك نقول: إن كلاٍّ من هاتين النظريتين: الميكانيكية والديناميكية تستطيع دحض الأخرى وتقويضها
ولقد اعترض (هنري برغسون على نظرية الميكانيكية فقال: الحياة كلها إبداعُ فهي مبدعة: أي أن تيار الحياة يأتي دائماً بالجديد. فالحوادث الحيوية فيها عدم تنبؤ ولا يمكننا أن نتنبأ بأن الأحفاد فيهم صفات الأجداد، وهذا ما يدعونا إلى عدم إيضاح الحياة