فكأنه يشرع الأسنة لا اليراع، ويشهر الرماح لا الأقلام؛ وإن القارئ ليحسب أن كاتب الرسالة رجل من صفوة المسلمين، وتقي من خلاصة المتقين، لا صابئ من الكفار الجاحدين، فهو يقول:
(فلما استعرت الملحمة، وعلت الغمغمة، ودارت رحى الحرب، واستحر الطعن والضرب، واشتجرت سمر الرماح، وتصافحت بيض الصفاح، تداعى الأولياء بشعار أمير المؤمنين المنصور، وتنادى الكفار بالويل والثبور، فنكصوا على أقدامهم مجدين في الهزيمة، واعتدوا الحشاشات لو سلمت لهم من أعظم الغنيمة، واستلحمتهم السيوف، واحتكمت فيهم الحتوف، وأخذ المسلمون منهم الثار، وعجل الله بأرواحهم إلى النار)
ورسائله الديوانية كثيرة، فلقد خدم عدة ملوك، وطال به العمر فاتصل بكثير من الولاة والأمراء. ولعل ما بين أيدينا من كتابته في هذا الباب قُل من كُثر، فقلما يعني المؤرخون بمثل هذه الرسائل، وإلا لكان له ولغيره ممن اتصلوا بالسلطان عن قرب أو بعد مجلدات يعيا بها العبء، فلنجاوز هذا الضرب من النثر، فقد عرضنا منه ما فيه الغناء؛ وسنتحدث مستقبلاً عن الضربين الآخرين إن شاء الله، ولن تقف بنا دورة الفلك