للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صارت الفتاة تتردد في غيبة خطيبها إلى غابة منعزلة كان يقصدانها أحيانا أيام العطلة، فتبث شكواها إلى أشجار الصنوبر الزاومة، وتعيد على سمعها في صوت عال وسط هذه العزلة التامة، تلك الكلمات الرقيقة التي كانت تسمعها من (خوان)، وأحيانا ولا سيما في الليل كانت تخرج إلى الشاطئ لتشاهد الأنوار العديدة الخافتة المنبعثة على صفحة الماء من زوارق الصيد التي تروح وتغدو على مقربة. وفيما هي تعود إلى المنزل بعد جولة من تلك الجولات الليلية وجدت شقيقها (بدرو) جالسا إلى المائدة يطالع في شغف كتابا مصورا، فلما رآها التفت إليها قائلا: (سنشيتا يحسن إلا تتركي خطيبك يتنقل في البحار لأنهم يقولون أن حور البحر يخطفن البحارين الحسان!) فابتسمت الفتاة لهذا القول وقبلت أخاها قبلة طويلة في جبهته. وفي ذات يوم دقت الأجراس في القرية على غير عادة، فعجبت لذلك (سنشيتا) وكانت إذ ذاك في حجرتها منهمكة في ارتداء ثيابها لتخرج إلى السوق. . رباه! لماذا تقرع الأجراس، وليس اليوم من أيام الأعياد؟ وإذا (بدرو) يدخل عليها الحجرة بغتة هاشا مسرورا فينبئها بالخبر العظيم. . بعودة (خوان)، وبأن هذه الأجراس إنما تقرع تحية له ولرفاقه الصيادين الذين عادوا من رحلتهم الطويلة. . خرجت الفتاة إلى الشاطئ وأراد (بدرو) أن يرافقها إليه، ولكن الأم احتجزته معها في المنزل ليساعدها في تنسيق مائدة الطعام إكراما للخطيب المحبوب. .

بلغت الفتاة الشاطئ فوجدت السفن راسية والصيادين يعانقون أهليهم وذويهم، ولكن. . (خوان)!. . أين (خوان)؟ أين (خوان) الجميل؟ خوان لم يؤب فقد ابتلعته الأمواج في ليل عاصف، وهو في طريق العودة إلى الوطن. . ثم دنا أحد الصيادين من (سنشيتا) قائلا: (انتظري سنشيتا سأعطيك نقود خطيبك التعس). . ولكن (سنشيتا) لم تنتظر بل قفلت راجعة إلى المنزل. . وعندما بلغت عتبة الدار وجدت شقيقها (بدرو) ينتظر متطلعا، ثم سألها في لهفة:. . (ولكن أين خطيبك؟) فأجابته في هدوء: (لقد احتفظت حور الماء بحارنا الجميل يا بدرو)!

كرمة بن هانئ

<<  <  ج:
ص:  >  >>