هناك على بعد ست أقدام مني كان جالساً يشير إليّ برأسه وينظر بعين شاحبة ويقهقه. وليت الأدبار من الغار ودخلت في غابة واستلقيت، ولكن هناك على بعد ست أقدام مني كان وجه ذلك الرجل أيضاً
أيقظت شجاعتي وخاطبته ولكن لم يبد جواباً. حاولت القبض عليه فأفلت وكان على بعد ست أقدام، وجهه دائماً أمامي
خررت على الأرض ساجداً وغطيت وجهي بأديمها وآليت لا أرفع رأسي حتى يحين الليل وينسدل الظلام
وقتئذ قمت وعدت إلى الغار واضطجعت في فراشي، فنام بجانبي الرجل، فغضبت وحاولت أن آخذ بتلابيبه فلم أتمكن
أخيراً أغمضت جفني ورقد بجانبي. مرت الأيام والحال لا تتغير في الداخل ولا في الخارج، في المنزل وفي الفراش، في القيام وفي الرقاد، بالليل أو أثناء النهار. هناك في طرف فراشي وعلى بعد ست أقدام لا أكثر ولا أقل كان الميت الشاحب
وما كدت أنظر إلى الأرض الجميلة والسماء الصافية وإلى هذا الصاحب المخيف حتى قلت: لا أعيش وحيداً بعد ذلك، فضحك الرجل بملء شدقيه. رست في النهاية سفين فحييتها وأقلتني وما وطئت قدمي سطحها حتى ظننت أني بمنجى من مزعجي، ولكن سرعان ما رأيته يعتلي سطحها، واجتهدت عبثاً أن ألقيه في اليم، ولكنه كان بجانبي دائماً يأكل معي وينام كسابق عهده
وصلت إلى مسقط رأسي واندمجت في الزحام. شهدت الولائم وسمعت الألحان، جعلت ثلاثين رجلاً يجلسون معي وظللت أراقبه ليلاً ونهاراً، ولكن رفاقي كانوا واحداً وثلاثين وأخيرهم كان أكثرهم ألفة وعشرة
فخاطبت نفسي: أهذا وهم أم هو خِداع الحواس؟ ولابد أن أستشير الأخصائيين في هذا الاضطراب لكي أعود إلى الوحدة؛ دعوت عرافاً ذائع الصيت في طرد ما علق برأسي من الأوهام واستحلفته أن يكتم السر ورويت له قصتي، وكان رجلاً جريئاً عالماً فوعدني الخلاص والنجاة، ثم سألني مبتسماً: أين هذا الشخص الآن فإني لا أراه، وإن كان حقاً ما