للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على هذا المكتب لا تقع عين الإنسان على حقائر الأشياء اليومية وصغائرها. فكل الأشياء وأتفهها تنقلب ذات معنى، ويظهر عليها برنامج عابس! هنا تماثيل نصفية وصور شمسية لمؤلفين عظيمي الشهرة ذائعي الصيت. وهناك كوم من المخطوطات ومجلد بمؤلفات بلينيسكي ومنه صفحة مقلوبة. ثم عظام رأس تستعمل محبرة وصفحة من جريدة طويت كما يتفق، بيد أنها تعرض عمودا معلما عليه بالقلم الأزرق بالخط العريض (جبان) وهناك جمهرة من الأقلام المبرية حديثا وريش بأسنان جديدة حتى لا يمكن لأي سبب خارجي أو حادث عارضي أن يمنع التحليق السامي لهذه المخيلة المبدعة!!

ألقى كرازنوكين نفسه على كرسيه المريح وراح يفكر في موضوع فسمع زوجه تضرب الأرض بخفها تشقق قطع الخشب (للسيماور) وخيل إليه أنها مازالت وسنانة لأن غطاء السيماور أو رجله كان يسقط من يدها بين آونة وأخرى. ووصل إلى سمعه نشيش المغلاة وأزيز اللحم المقلي، وزوجه مازالت تشق الخشب مفرقعة قرب الموقد. مغلقة بشدة باب الفرن مرة، وأخرى النافذة الهوائية، وآونة أخرى باب المدفئة. فأرتجف كرازنوكين، وفتح عينين يملؤهما الرعب ويتطاير منهما الشرر. وأخذ ينشق الهواء ويلهث (رحمتك الهم!. . . دخان الفحم؟. . . هذه المرأة التي لا تطاق عزمت على خنقي. . قل لي بالله كيف أوفق للكتابة في حالات كهذه؟)

جرى إلى المطبخ يولول وينوح، وبعد برهة عادت زوجه تمشي على أطراف أصابعها مقدمة له قدحا من الشاي فوجدته جالسا على كرسيه الطويل كما كان من قبل! لا يبدي حراكا ولا يحرك جارحة غارقا في موضوعه، فلم يتحرك، وأخذ ينقر بخفة على جبهته بأطراف أصابعه متظاهرا بأنه لا يلاحظ وجودها ووجهه يعبر مرة ثانية عن: (البريء المعذب)

قبل أن يكتب العنوان أخذ يتملقه ويدلله مدة طويلة! كأنه عذراء أهداها بعض الناس مروحة جميلة! آونة يمر بيديه على صدغيه وأخرى يرتجف ويهتز جميعه ساحبا قدمه من تحت كرسيه كالمتألم. مغلقا نصف عينيه بفتور كقطة على فراش.

وأخيرا بعد تردد دنا من الدواة وسطر العنوان وكأنه يوقع صك الموت. . . .

سمع صياح ابنه (ماما!. . قليل من الماء)

<<  <  ج:
ص:  >  >>