خلال مناضلاتها الاستقلالية، وحافظت على هذه السياسة نحوها منذ ذلك الحين. فتركية كانت أول دولة تصادقت مع روسيا السوفيتية، وهي لا تزال من أخلص أصدقائها. . . وهي مع كل هذا من أشد أعداء البلشفية، وهي تطارد وتعاقب بشدة كل من ينتسب إلى الشيوعية أو يقوم بدعاية للشيوعية. . . وروسيا البلشفية لا تزال صديقة تركية، بالرغم من مخالفة الأخيرة للنظم البلشفية في أمورها الداخلية. . .
هذه حقيقة واقعية. . . وكثيراً ما يصادف المرء في الصحف التركية عدة فصول في صحف حفلات التكريم التي تقام للوفود الروسية. . . وبجانب هذه الفصول عدة فقرات تذكر أخباراً متنوعة عن محاكمة الأشخاص الذين سجنوا لانتسابهم إلى الشيوعية، وعن الأحكام العقابية التي صدرت عليهم من المحاكم المختصة
فلا بد لي أن أذكر في هذا الصدد كلمة مشهورة قالها أحد عظماء فرنسا خلال مناقشة برلمانية، قبل مدة تزيد على نصف قرن: كان (جول فرى) من أبطال الفكرة العلمانية في فرنسا. حارب الكهنوتية أشد المحاربة، ووضع القوانين التي تحدد ساحة عمل رجل الدين تحديداً كبيراً، وسعى طول حياته إلى حرمانهم حق فتح المدارس والاشتغال بالتربية والتعليم. . . ومع كل ذلك لم يتوان عن مساعدة رجال الدين في الأعمال التي يقومون بها خارج فرنسا. . . حتى أنه لم يتردد أحياناً في مساعدة أعمال الإرساليات التبشيرية بالوسائط الدبلوماسية أو بالقوة العسكرية. . . فقد اعترض البعض على هذه السياسة المتناقضة، واستنكروا حماية أعمال رجال الدين في خارج فرنسا في نفس الوقت الذي كانت تمنع فيه هذه الأعمال داخل فرنسا. . . فصعد (جول فري) على المنبر وقال كلمته المشهورة: إن عداوة الكهنوت ليست من الأمتعة التي يجوز تصديرها إلى الخارج. . .
وأراد أن يقول بذلك: إن عداوتنا للكهنوت يجب أن تبقى من خصائص سياستنا الداخلية وحدها. . . وهذه العداوة يجب ألا تمنعنا عن الاستفادة من رجال الدين في سياستنا الخارجية في أمر توسيع نفوذنا خارج فرنسا. . .
إنني أعتقد بأن الوقائع والحقائق التي سردتها لكم لا تترك مجالاً للشك في أن كل من يقول بوجوب اعتناق المذهب الشيوعي لدفع أخطار دولة أو لاسترضاء أخرى يكون قد سلك مسلكا لا يقره (منطق الحقائق) بوجه من الوجوه. . .