للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا نوع من العصبية التي ينكرها الإسلام، وهو لا يهتم في حكم المسلمين إلا بمحاربة الظلم وإقامة دعائم العدل، ولا يهمه بعد هذا نظام الحكم الذي يحقق هذه الغاية، ولا أشخاص القائمين بهذا الحكم، فالناس سواء فيه، وكلهم صالحون له، ولا فرق فيه بين هاشمي وغير هاشمي، ولا بين عربي وعجمي

ولكن هذا لا يصح أن يؤخذ على الكميت أيضاً، لأنه لم يكن يدعو في شعره إلى أهل البيت من أجل تلك العصبية المنكورة في الإسلام، وإنما كان يدعو إليهم لأنهم كانوا أمثل الناس لحكم المسلمين في عصره، وإصلاح الفساد الذي ظهر في المسلمين بسبب حكم بني مروان الذي كان يقوم على تلك العصبية

فكان المسلمون في حاجة إلى حكم إسلامي ينظر إلى كل شعوبهم على السواء، ولا يقوم على أساس العصبية التي كان يقوم الحكم عليها عند الفرس والروم وغيرهم، وكان بنو هاشم أجدر الناس بالقيام بهذا الحكم الصالح، لأنهم كانوا ألين طباعاً من بني مروان، وأقرب منهم إلى فهم الغاية التي قام الإسلام من أجلها، والى السير بالحكم بين الناس على أنه وسيلة لا غاية

وقد حكم بنو العباس من بني هاشم بعد بني مروان فكان حكمهم أشبه بحكم الخلفاء الراشدين من حكمهم، ولم يفرقوا فيه بين عربي وعجمي، بل رفع الأعاجم فيه رؤوسهم حتى ساووا العرب وأخلصوا للإسلام إخلاصهم، وقد بذلوا في خدمة العلوم على اختلاف أنواعها ما يفتخر به المسلمون في عصرنا على غيرهم، وإذا كان لهم في حكمهم أيضا سيئات فإنها كانت قليلة بجانب حسناتهم.

ونعود بعد هذا كله إلى أمر الكميت بعد عفو هشام عنه، ورجوعه فائزاً بذلك على خالد بن عبد الله القسري، فقد فسد بعد هذا ما بينهما، وكان للكميت معه أخبار بعد قدومه إلى الكوفة بالعهد الذي كتبه هشام له، ولم يجعل فيه لخالد إمارة عليه، فكان خالد يلاينه حيناً ويقسو عليه حيناً، وكل منهما يخادع صاحبه، وينتظر السوء به. فلما أدبر أمر خالد وتحدث الناس بعزله عن العراق أظهر الكميت شماتته به، وقد مر عليه خالد يوماً فلما جاز به تمثل بهذا البيت:

أراها وإن كانت تحَبُّ كأنها ... سحابةُ صيفٍ عن قليل تَقشَّعُ

<<  <  ج:
ص:  >  >>