للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من القادم يا ترى؟

إنه فقير آفاقي يلبس معطفاً كله مزق وأسمال! ويْ! إن له لوجهاً ناصعاً! بخٍ بخٍ أيها البائس! إنه يتأبط زجاجة من البودكا! ترى منذا الذي يشرب نخبه هنا هذا الفقير؟ ها ها!! إن الفتى يحمل نقله (مَزَّته) في جيبه حَوَايا، فهي تظل معه لتودع العالم هي الأخرى!

وترنح الرجل قليلاً، ثم سأل في صوت مبحوح محشرج:

- أين قبر موسخين الممثل يا هذا؟

وقدناه إلى قبر موسخين الذي مات منذ حولين

وسألته أنا وفي نفسي منه أشياء:

- أكاتب حكومي أنت يا صاح؟!

فقال:

- كلا! بل أنا ممثل! ماذا أصاب الناس في هذا العصر؟ ما لهم لا يفرقون بين الموظفين والممثلين؟ ولكن. . . حسن؟ لا ضير!

لقد اندثر قبر موسخين أو كاد، ولقد سطع منه ريح كريه منتن، ونمت فوقه أعشاب الفناء الشاحبة الشوكية حتى أوشكت تخفيه عن الأبصار! إنه لا يشبه القبور الجاثمة هنا. . . يا للصليب المعوج الرخيص المائل المكسو بالطحلب السادر المكتئب، الذي يبدو كأنه سيموت هو أيضاً!

لقد نقشت على اللوحة المتآكلة هذه العبارة التي ذهبت يد العفاء ببعض حروفها:

(. . . الصديق المنسي، موسخين!)

فيا للزمان!

لقد أودى بالحروف الأولى التي كانت تجعل هذه العبارة أكذوبة الأكاذيب!

قال الممثل:

(ويحك يا موسخين، وسحائب رضوان الله عليك!! ما أشقاك بهؤلاء الممثلين ورجال الصحافة، الذين اكتتبوا بنقود ليشيدوا ضريحك ونُصْبَك ثم أكلوها فيما بينهم. . .! أسحتهم الله بأكلهم هذا المال!)

ثم سجد في خشوع وعفر وجنتيه وجبينه بالثرى المندّى وقلت أسأله:

<<  <  ج:
ص:  >  >>