ذلك تأريخ الحوادث أشار عمر ابن الخطاب رضي الله عنه باتخاذ عام الهجرة مبدأ لهذا التاريخ. والواقع أن هذه الهجرة كانت هي الباب الذي فتحه الله لنشر الدين وإعلاء شأنه والقضاء على الشرك والكفر، وجعل من العرب أمة لها في العالم مقام وفي حياته أثر. ولو أن الهجرة كانت إلى الحبشة لم أثمرت شيئاً من هذا، ولخرج الأمر على كل حال من جزيرة العرب، ولكان الأرجح ألا ينتقل العرب إلى حال أخرى. ولو أنها كانت إلى اليمن مثلاً لكان الأغلب أن تبقى مكة بمعزل عن الإسلام، ولكن المدينة كانت على طريق التجارة إلى الشام، فالذي يستولي على الأمر فيها يتسلط على مكة ويتحكم في حياتها كما حدث بالفعل
ولاشك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفكر في المدينة من زمان طويل قبل أن يقصد إليها، فقد كان كل شيء يدعو إلى ذلك: حنين قلبه ومصلحة المسلمين في الدفاع عن أنفسهم أولا ثم في التغلب على مكة والقضاء على شرك قريش. ولعل من الدلائل على طول التفكير واتجاه النفس وعلى الإيحاء أيضاً أن النبي كان أول الأمر يتجه في الصلاة إلى المدينة جاعلاً قبلته المسجد الأقصى، فلما انتهى هذا الدور جعل الكعبة قبلته في الصلاة فوجه المسلمين صوب مكة حتى استولى عليها
إبراهيم عبد القادر المازني
حاشية: لا أحب أن يفهم أحد أن اتخاذ الكعبة قبلة كان القصد
منه الإيحاء إلى المسلمين بالاتجاه إليها والرغبة في الاستيلاء
عليها، فما أريد أكثر من أن تحويل القبلة إلى الكعبة كان هذا