للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- (ماذا تقول يا رجل؟)

هكذا أقبل سلمان على القادم يستنبئه وإن سيده ليشهد. فما إن سمعه يسأل حتى غضب فلكمه لكمة شديدة وهو يقول:

(ما لك ولهذا؟ أقبل على عملك!)

قال سلمان: (لا شيء، إنما أردت أن أستثبته عما قال!)

ثم دار على عقبه ليخفي عبرة تنحدر على خده، وإن صدره ليجيش بعواطف شتى. فلما كان المساء جمع شيئاً من طعام كان له ثم ذهب إلى محمد بقباء:

(سيدي، إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم. . .!)

وتناول النبي الكريم من يد الفتى الفارسي ما قدّم إليه، فدفعه لأصحابه لم يأخذ شيئاُ منه. وتحققت للفتى أمارة. . .

ثم انصرف الفتى فجمع شيئاً وعاد إلى رسول الله يقول:

(سيدي، إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة، فهذه هدية أكرمتك بها. . .!)

فمد النبي إليها يده فأكل وأكل أصحابه معه. وتحققت أمارة. . .

وطغى شعور الفرح على سلمان حتى أنساه قيد الرق وذل الإسار، فسار خلف النبي يتبعه لينظر منه شيئاً قد بقي من إمارات النبوة. فإن النبي ليمشي إذ انحسر رداؤه عن ظهره فرأى. . .

وتحقق الوعد المأمول فما تلبّث الفتى حتى أكب على النبي الكريم يقبله ويبكي. . .

وآمن سلمان الفارسي بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانبثق الفجر الذي كان يرقب شروقه منذ سنوات وسنوات، وأضاء في قلبه النور الذي غمر البشرية كلها فحدَّد لها حدود سعادتها ورسم لها غايتها. ولم يمت سلمان حتى انتشر الصبح وأشرق على ربوع فارس وأصبهان، وانتظمتها الدولة الإسلامية فصارت جزءاً من الوطن الإسلامي الذي يعيش فيه سلمان الفارسي

ومازال النور ينتشر وينشر حتى عم أقطار الأرض. ومات محمد بن عبد الله ولكن شريعته ظلت باقية تمدُّ مدَّها ذات اليمين وذات الشمال، حتى عبرت المحيط، وجازت الجبال،

<<  <  ج:
ص:  >  >>