من قريش، ولعلها كانت تريد أن تستعين على تكاليف العيش بما ينال الطفل من سهم ذوي القربى باعتباره مطلبياً.
على أن حظ الطفل من خمس الغنائم لم يكن ليرفه من عيشه فنشأ في قلة من العيش وضيق حال. قال الرازي:
(وذكروا أن الشافعي رضي الله عنه كان في أول الزمان فقيرا، ولما سلموه إلى المكتب ما كانوا يجدون أجرة المعلم، وكان المعلم يقصر في التعليم إلا أن المعلم كلما علم صبيا شيئا كان الشافعي رضي الله عنه يتلقف ذلك الكلام، ثم إذا قام المعلم من مكانه أخذ الشافعي رضي الله عنه يعلم الصبيان تلك الأشياء، فنظر المعلم فرأى الشافعيرضي الله عنه يكفيه من أمر الصبيان أكثر من الأجرة التي يطمع بها منه، فترك طلب الأجرة واستمرت هذه الأحوال حتى تعلم القرآن كله لسبع سنين) ص١٥و١٦.
ويروى عن الشافعي: انه كان يحدث عن طفولته فيقول: (وكانت نهمتي في شيئين؛ في الرمي، وطلب العلم. فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة. وفي رواية من عشرة تسعة، وسكت عن العلم، فقال عن بعض من كان يستمع اليه: أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي).
ويروى عنه أيضا: أنه قال: كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي: (أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر) تاريخ بغداد ج٦ ص٥٩، ٦٠.
ويظهر: أن حب الرماية لم ينزعه من بين جوانب الشافعي جلال السن وجلال الإمامة.
(عن المزني قال: كنت عند الشافعي فمر يهدف، فإذا رجل يرمي بقوس عربية، فوقف عليه الشافعي وكان حسن الرمي فأصاب سهاما، فقال له الشافعي: أحسنت، وبرك عليه، قال لي: ما معك؟ فقلت: ثلاثة دنانير، فقال: أعطه إياها واعذرني إذ لم يحضرني غيرها (توالي التأسيس) ص٦٧.
قال الشافعي:(لما ختمت القرآن دخلت المسجد أجالس العلماء وأحفظ الحديث والمسألة، وكان منزلنا بمكة في شعب الخيف، وكنت فقيرا بحيث ما أملك ما أشتري به القراطيس، فكنت آخذ العظم أكتب فيه وأستوهب الظهور من أهل الديوان وأكتب فيها) - الرازي ص١٦.