الشعب، وتجميع لرغبات الأمة، وتهيئة لقواها العاطلة وأسلحتها الكليلة أن تضمن لنا حق الحياة والكرامة، وللوطن حق العزة والسلامة؟
الأسود الروابض على الوادي تتحلب أفواهها شرهاً إلى افتراسه، والنسور الحوائم على حواشي الوطن تترقب الفرصلانتهاسه، وطاغية روما الطموح ينذر الناس أنه يرصد الاهوب في البر والبحر والسماء لحرب جديدة. فهل يشق عليكم أن تدركوا أن للنائب في هذا الوقت العصيب عملاً غير الحفلات والوساطات والغنيمة، وأنه إذا دخل المجلس من غير مبدأ، وجرى فيه إلى غير غاية واستغل حقوقه من غير عمل، كان داخلاً في غير أهله، ونازلاً في غير ملجئه؟
أحزابنا متعددة كتعدد الأحزاب الأوربية في البرلمانات الديمقراطية العظيمة، ولها بمقتضى هذا التعدد أندية وصحف واتباع؛ ولكنها تختلف عن أحزاب الأمم بأن ليس لها خطة في الإصلاح مرسومة، ولا غاية في السياسة معلومة؛ فهي إلى اليوم تتميز بالأسماء لا بالبرامج، وتتقارع بالمقالات لا بالخطط، وتتنافس في بلوغ الحكومة لا في خدمة الأمة
من اجل ذلك كان مرشحوا الأحزاب لا يجدون ما يقولون في خطبهم الانتخابية غير الجمل الجوف، والوعود المبهمة، والتهم الجريئة والدعاوى العريضة والعيوب الخاصة، حتى تركوا البلاد من صعيدها إلى ريفها ضجة من البذاء، وغمة من البلاء، ومزقاً من الأعراض والخلق
على أننا نرجو أن تكون هذه المحنة آخر المحن، وان تموت في سبيل الوطن الحزازات والإحن، وأن تنكشف حماية الحيرة من عيون الأمة فتبصر وجه الرأي الذي تستقيم به الحال، ويستقر عليه الأمر؛ فقد عودنا شهر مارس أن يكون حميد الأثر في الحياة المصرية. ففي مارس من عام ١٩١٩ استيقظ أبو الهول، وشبت ثورة النهضة، وتنافس في الجهاد النساء والرجال، وتعانق على الوداد الصليب والهلال، وتسابق إلى الاستشهاد الشيوخ والأطفال، وسالت انفس الشباب ضحايا على مذبح الحرية!
وفي شهر مارس من عام ١٩٢٢ ألغيت الحماية، وأعلن الاستقلال، وصدر الدستور!
وفي شهر مارس من كل عام تتجدد الحياة، وتهتز الأرض، ويورق الشجر السليب، ويمرع الوادي الجديب، وينشد الربيع الباكر أناشيد الجمال والحب والأمل!