المتحضرين، كان ذلك دليلاً على كفايتها في مسايرة التقدم العقلي. وليست قضية اللغة عندنا قضية ألفاظ فحسب، ولا هي قضية تراكيب، إنما القضية عندنا في كفاية تلك الألفاظ وهذه التراكيب. فهل استطاعت هذه أن تساير الحضارة الحديثة؟ وهل استطاعت أن تنقل معانيها إلينا؟ ذلك ما نشك فيه ونحن نشك في شيء آخر غير ذلك. انه لا يمكن لغة أن تساير الحضارة أو الثقافة إلا إذا كانت مرنة تتسع لكل معنى حديث. وتلك المرونة التي تظهر بجلاء في لغة كالإنجليزية قد فقدت مكانها في لغة كالعربية. وهي قد فقدت مكانها في لغات أخرى قبل لغتنا ألانها قعدت عن أن تماشي الحضارة في تقدمها. وأخص ما تمتاز به الإنجليزية هو ذلك الاستيعاب الذي يظهر في كل وجه من وجوهها؛ فهي قد استوعبت ألفاظاً من كل قطر حلت فيه فئة من الإنجليز. وألفاظها تواتي المتحدث بها في كل موضوع يطرق، لكننا نتشكك كثيراً فيما إذا كانت العربية والإنجليزية سواء. فالعربية غير مرنة؛ وهي لغة تقليدية تتولى عن الألفاظ الدخيلة؛ وقد بدأت تساير الحضارة الحديثة منذ وقت قليل لما يكف لتغذيتها بألفاظ تطلق على المعاني التي تجدد في كل ساعة من ساعات الحضارة
لم يكن لنا أن نذكر كل ذلك لولا أننا نؤمن بأن في اللغة استعدادًا لقبول كثير من الإصلاح. ولعل افعل إصلاح اللغة أن نبدأ بتفهم طرق التدريس التي من شأنها أن تجعل اللغة لغة أفكار ومعان قبل أن تكون لغة ألفاظ ومفردات، وتفهم طرق التربية التي تكسبها مرونة اللغات الأخرى. ويستطيع المعلمون أن يتغلبوا على تلك العقبات التي يلقونها إذا هم وجدوا أمة من أهل الرأي تجاهد معهم في هذا السبيل. على أننا سوف نكتفي في مقالنا هذا بذكر وجه آخر من علاقة اللغات، ثم بتحديد أغراضنا من دراستها. وسوف نعالج في مقال آخر الوسائل التي نراها
٢ - وحدة اللغة:
وفي كل الذي أسلفنا اكثر من دليل على أن عنايتنا بالغة ينبغي أن تحل عندنا المكانة الأولى بين مختلف المواد التي نعلمها. فهي حقيقة بالتقدير إذا تحدثنا عن أي مثل أعلى عالمي؛ وفي دراستها توحيد للمعنى السامي الذي ما زال يلعب بخيال الإنسانية، والتقدم الفكري رهين بالتقدم اللغوي، ولان اللغة أساس صالح لتلك المواد، ولأنها تتحكم في تلقينها