للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التاريخ الطبيعي حيث يدور شعراً في أقسامه من الجيولوجيا، إلى المعادن، إلى النبات، إلى الحيوان. ثم هو يأخذ بيدك إلى متحف (الفنون والصناعات)، وينتهي بك إلى باريس في الليل حيث يرى (الكل يمشون بها أزواجاً - ويدخلون في الصفا أزواجاً)

والآن وقد اجتزنا محنة شعر الخواجا فرنسيس، يمكننا أن نتمتع دون وجل ببقية نثره. فنعود إليه في أول وصوله إلى باريس عند (انفلاق الصباح) تلك المدينة ذات الشوارع (رحبة العرض، مستقيمة الطول، حسنة التمهيد والتخطيط. . . جامعة لكل شروط النظافة والإتقان. فلا يقوم هناك للجيف الطاعونية انبعاث، ولا للأقزاز (كذا) الوبائية حشر) - لا شك أن صورة عمران العثمانيون لسوريا ماثلة لعين الحلبي المسكين وهو يكتب هذه الفقرة!

ودخل رحالتنا إلى مسارح باريس التمثيلية منها والغنائية، فوجد الفرنسيين فيها (جامعين إلى دست واحد ما تفرقت قطعه في رقاع السنين. وهكذا يحلون هذه الاستحضارات (ليفكرن صاحبنا بالمندل) والاستظهارات بقلايد الآداب، وفصاحة اللغة ويرخمونها بآلات الطرب وحسن الصوت، بحيث أن المشاهد لا يعود يدري بأي حاسة يستقبل وقوع الطرب (بحاسة الشم غالباً!) أبعينه أم بأذنه. فيرحل حاملا في دماغه نهاراً من الأدوار الأدبية، وفي أعينه انبهاراً من الأضواء الطبيعية، وفي قلبه أنهاراً من ينابيع الطرب والحبور)

ولا شك أن ضوضاء باريس في ١٨٦٧ كانت شديدة على آذان هذا الحلبي - ليت شعري ماذا يقول لو عاد إلى باريس سنة ١٩٣٨! - (حينما تكون الأعين راتعة في تلك الآفاق الزاهرة، تكون الآذان عرضة لالتطام تموجات الضوضاء الباريسية، واصطدام تلك الرجات التي تبتلع لعلعات الرعود، وتهتضم طلقات الصواعق. فهناك ألوف المركبات مندفعة على الدوام اندفاع الأمواج إزاء مهب العواصف، وألوف صنوف العربات منسحبة وراء خيولها الجامحة (تصور ألوف الخيول الجامحة وسط المدينة العامرة!) انسحاب السحاب بأزمة الرياح)

وعن العمل والعمال والنشاط البادي في كل مظاهر الحياة: (وهناك لا يفتر صياح ربوات أعمال الأيدي مطلوقاً من أفواه الآلات والأجهزة، ولا تكف ألوف المعامل البخارية صافرة بأبواقها النارية لتدعو فرسان العقول - لاحظ اللغة التصويرية! - إلى مواصلة النزال في

<<  <  ج:
ص:  >  >>