للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولست أكتم هنا أن الرافعي كان يسيء الظن بفهم العقاد لقواعد اللغة؛ فما يرى له شيئاً من مثل ما كتب في ذلك الموضوع مما يشير إلى بصره بقواعد العربية إلا اتهمه بأنه يستعين فيه بأصدقائه من أهل العلم بهذه اللغة. وأحسبه قال لي مرة: إن الذي يعين العقاد في ذلك هو صديقه الأستاذ عباس الجمل!

وانتهت هذه المعركة الصغيرة ولم تسفر عن أشلاء، ولكني أحسب أن الرافعي نفسه لم يكن مقتنعاً بما كتب في الرد على العقاد فبقي في نفسه شيء يحمسه إلى معركة جديدة، فلم يلبث إلا قليلاً ثم كانت المعركة الفاصلة. . .

وحي الأربعين

وكانت هدنة استمرت بضعة أشهر، ثم أصدر العقاد ديوانه (وحي الأربعين).

ومضى أسبوع أو أسابيع بعد صدور الديوان؛ ثم كان عيد من الأعياد، فغدوت على بيت الرافعي لأهنئه، ثم خرجنا نطوف ببيوت بعض الأصدقاء؛ حتى انتهى بنا الطواف إلى دار صديقنا الأديب الأستاذ حسنين مخلوف. والأستاذ مخلوف أديب مطلع، لا يفوته كتاب مما تخرج المطبعة العربية. فلم يكن ثمة بد من الحديث في الأدب، وفي الشعر، وفي المطبوعات الجديدة، وهو حديث يحلو للرافعي، ويحلو لمخلوف، ولو أستغرق هذا الحديث سحابة يوم العيد من الضحا إلى العصر، والبطن خاو يطلب الطعام، ورائحة الشواء تفوح في بيت المضيف وفي بيوت الجيران!

وسأل الرافعي مضيفه: (ماذا عندك من الجديد في الكتب؟)

وضحك مخلوف وهو يغمز بعينه ويقول: (وحي الأربعين!)

ووجد الرافعي طلبته، فدعا بالديوان الذي يود أن يقرأه منذ أيام ويمنعه من شرائه أنه كتاب العقاد. . .!

وجاء الديوان فوضعه الرافعي بين يديه وقال: (لست أريد أن أتجنى على العقاد الشاعر أو أحكم في ديوانه برأي قبل أن تتهيأ لي أسبابه؛ وإني لأخشى أن أفتح الكتاب فتقع عيني أول ما تقع على أردأ ما فيه فأحكم على الديوان ببعضه، وقد يكون فيه الجيد، وما هو أجود، وما تتقاصر أعناق شعراء العربية دون الوصول إليه. وإن بيني وبيني العقاد لسابق عداوة، وأنتما بريئان من التهمة وسوء الظن؛ فدونكما الديوان فقلبا فيه النظر، وتداولا فيه

<<  <  ج:
ص:  >  >>