وكتب مخلوف مقاله الثاني يرد مطاعن العقاد، ويتمم ما بدأ في نقد وحي الأربعين؛ ولكن المقطم أغلقت دونه الباب ولم تنشره، كرامة للعقاد وحرصاً على مودته. . .
وغضب مخلوف وتألم، ولكنه طوى صدره على ما فيه. . . وكنا جماعة من مدرسي اللغة العربية نصلي الجمعة كل أسبوع في مسجد المنشاوي بطنطا، فلقينا هناك مخلوف؛ فما رآه المدرسون حتى انهالوا عليه وركبوه بالعتب القاسي، وكلهم قرأ مقال العقاد في الطعن على مدرسي اللغة العربية بسبب مخلوف، وما منهم من قرأ مقال مخلوف إلا قليل. وحاول مخلوف أن يعتذر، ولكن اعتذاره ضاع بين ضجيج إخوانه وحملتهم عليه فلم يستمع له أحد!
وقلت للرافعي مازحاً ولقد لقيته بعد ذلك:(لقد كنت أنت السبب فيما نال مخلوفاً من إخوانه، وفيما نال مدرسي اللغة العربية من لسان العقاد؛ فأنت الذي هجت مخلوفاً إلى هذه المعركة، فانتهت إلى ما انتهت إليه بينه وبين إخوانه؛ وكانت سبباً فيما كتب العقاد عن دار العلوم ومدرسي اللغة العربية. . .)
وكان لمخلوف عند الرافعي منزلة، ولدار العلوم في نفسه مكان. ولكنه أجابني:(وماذا علي أنا فيما كتب مخلوف، وفيما رد العقاد؟)
قلت:(لولاك لم يكتب مخلوف فيتعرض لما تعرض له من لسان العقاد ومن عتب إخوانه. ولولا ما كتب مخلوف لبقيت دار العلوم بريئة من العيب لم يطعن فيها العقاد ولا غير العقاد!)
وقصدت فيما قلت - ومعذرة إلى الأستاذ العقاد - أن أهيج الرافعي للكتابة عن العقاد، فيشهد أدباء العربية معركة جديدة بين الأديبين الكبيرين يكون لهم من ورائها نفع ومتاع ولذة. . . وبلغت ما قصدت إليه، ووعد الرافعي بأن يكتب ما في نفسه من ديوان وحي الأربعين، ولكن على شرط: أن أشتري له نسخة على حسابي من الديوان، لأن عليه قسماً من قبل ألا يدفع قرشاً من جيبه في كتاب من كتب العقاد. . .!
ونفذت الشرط، وتهيأ الرافعي للكتابة عن وحي الأربعين؛ ومضت أيام، ثم دعاني ليملي علي مقالة الأول في نقد وحي الأربعين.