للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فيما يتصل بشؤون اللغة والأدب

ولعلنا نستطيع بعد الذي أسلفنا من وصف الاتجاه الحديث في تعليم اللغات أن نلمس موطن العلة في أساليبنا الحاضرة. وبين الذي فصلناه وبين الذي يقع الآن اختلاف عريض ليس من سبيل إلى تلافيه حتى تتكثر الجهود بعد الجهود، وحتى تقوم مدرسة من مدارس الفكر لتخلق جواً آخر غير الذي تعيش فيه اللغة. وقد تحدرت في أصول التعليم عندنا تقاليد ما زالت تنكر على الطفل حياته الوجدانية الخاصة، فلم يقم إلا القليل يبعثون القصص التي توائم الطفولة. ولم يدرك أحد بعدُ العلاقة بين اللعب الحر وبين اللغة، ولا نحسب أننا في حالة نتوقع فيها أن نقيم العلاقة بين اللغة وبين الموسيقى والغناء، فإن هذا أمل غير قريب التحقيق

على أن الذي نراه قريب التحقيق هو شئ واحد ينتظم كل ما ذكرنا. فإن المعلمين يخلطون دائماً بين الوسيلة وبين الغاية. ويؤمنون بأن الذي اتخذوه وسيلة إنما هو غاية في نفسه. فقد اتخذ المعلمون الأقدمون النحو وعلوم البلاغة وسائل لتقويم اللسان وسلامة المعنى، ويتخذها المعلمون المحدثون غايات في نفسها يعقدون فيها أعسر الامتحانات. ولو أنهم علموا أن إحسان القول وإتقان القراءة والكتابة هي نفسها الغايات لتغيرات نظم التعليم عندنا ولنهيأ جو صالح يتحول فيه تعليم اللغات إلى المرتبة التي نبغي

ولشد ما يعجب المرء حينما يمر بنظرة عجلى على الكتب التي يدرسها تلاميذ المدارس الثانوية في مختلف الفرق. وأشهد أنى لأتردد كثيراً أن أعقد موازنة بين الكتب العربية التي يدرسونها والكتب الإنجليزية. ولعلك تدرك قليلا من مثل هذا التردد إذا علمت أن التلميذ في السنة الأولى يقرأ حوالي أربعمائة صفحة من الإنجليزية وهو يقرأ مثل هذا القدر في السنة الثانية، ويزيد على الخمسمائة في الثالثة ثم يربى على الستمائة في الرابعة. أما إذا سألتني ماذا يقرأ هؤلاء في العربية أجبتك بأن التلميذ لا يقرأ نصف هذا القدر في فرقته. وبالضياع مجهود البلاغة والنحو لو لم يستعن بعض هؤلاء التلاميذ بالمجلات وبروايات الجيب ثم بعد ذلك بالأدب الرخيص

ولنا حديث آخر عن تعليم النحو والقواعد، واتصال ذلك بفكرة الأفعال المنعكسة نرجو أن نزجيه إليك في الأسبوع القادم أن شاء الله

<<  <  ج:
ص:  >  >>