يشير اليها. فهم أحرار سعداء شجعان لا يخافون الله ولا يخشون الجحيم ولا يهابون الموت. يقولون ويفعلون ما يشاءون، ويذهبون إلى حيث تسوقهم رغباتهم الجامحة.
اما النبيذ فصاف صفاء الكهرمان! وهو أيضا ذكي الرائحة لذيذ الطعم، لأن كل من يعب منه يطفح وجهه بالبشر ويرغب في الشراب ثانية. وهو يجزى على ابتسام بابتسام، ويتهلل غبطة كأنه يعرف أي ضلال جهنمي يختبئ تحت حلاوته.
غلى مرجل غضبه، وبكى أحر البكاء وأشجاه. ثم استطرد يقص عليهم ما رأى:(وقفت امرأة نصف عارية على منضدة وسط القاصفين، ويصعب عليكم أن تتصوروا شيئا اكثر فتنة وسحرا منها، صبى ناصر زاهر، وشعر طويل جثل، وعيون سوداء لامعة، مكتنزة محمرة، ثم سفاهة وجرأة وقحة. هذه البهيمة تبتسم فتفترعن عن أسنان بيضاء كالبرد كأنها تقول: (انظروا إني جميلة، ومستهترة. . . .) وتتدلى من عاتقها الملابس الحريرية البديعة المشجرة. على أن جمالها لا تخبئه ملابس، لأنه بشره يفسح لنفسه الطريق بين طيات ثوبها. . . . كأنه الأعشاب الصغيرة وهي تشق لنفسها الطريق في الأرض زمن الربيع. وتشرب المرأة التي لا تستحي النبيذ، وتغني الأغاني، ثم تستسلم بعد ذلك للمعربدين. . . .).
لوح الرجل الكهل بذراعيه حانقا ثم استمر يصف لهم سباق الخيل، وصراع الثيران، والملاعب، وحوانيت الفنانين، حيث يعرض هيكل المرأة العارية مرسوما بالزيت أو منحوتا من الصلصال.
كان الرجل في حديثه لسِناً ملهماً جهوري الصوت حلو الجرس كأنه يعزف على آلة موسيقية لا تقع عليها العين. والرهبان ذاهلون عن أنفسهم غائبون عن رشدهم وقد أسرتهم كلماته وسحرهم بيانه، فهم يلهثون من فرط السرور. ولما فرغ من وصف إغواء إبليس وفتنة الفسوق وسحر المرأة لعن إبليس ثم غادر المكان واختفى وراء بابه.
فلما خرج من صومعته في صباح اليوم التالي لم يجد راهبا واحدا في الدير. فقد انطلقوا جميعاً مسرعين إلى المدينة!!