بعث إلى صديقي (هنري بيريس) بكتاب غزير المادة يقع في مائتي صفحة من القطع الكبير، ظهر في باريس في مختتم سنة على يد الناشر وعنوان الكتاب ' ١٦١٠ ١٩٣٠ (أسبانية في أعين الرحّالين المسلمين من سنة ١٦١٠ إلى سنة ١٩٣٠)
والأستاذ (هنري بيريس) مستشرق فرنسي معروف وهو من أساتذة كلية الآداب في الجزائر، وله طائفة من المباحث تعرض خاصة للأدب العربي ولا سيما الحديث منه. وأما الكتاب الذي بين يدي فيسرد تأثرات من رحل من المسلمين إلى أسبانية ونظراتهم. وإليك أسماءهم: الوزير الغساني (القرن السابع عشر) الزيّاني والغزّال (القرن الثامن عشر)، الكردودي وابن التلاميذ التركزي الشنقيطي والورداني واحمد زكي باشا (القرن التاسع عشر) محمد فريد وأحمد شوقي ومحمد كرد علي ومحمد لبيب البتنوني وسعيد أبو بكر ومصطفى فروخ (القرن العشرون)
وقد جاء السرد على الطريقة العلمية بما قام عليه من المراجع وما غلب عليه من التحليل البعيد الغور. وكثيراً ما نقل المؤلف إلى اللغة الفرنسية بعض النصوص العربية من شعر ونثر تتناول وصف الطبيعة أو النظر في الأخلاق والتاريخ والفن على وجه عام
وفي رأي المؤلف أن المسلمين الذين دونوا رحلاتهم الأسبانية ينقسمون قسمين: أما الأول، وامتداده من سنة ١٦١٠ إلى سنة ١٨٨٥، فأصحابه عدوا أسبانية وطناً مغتصباً وأهله إخواناً أفسدت النصرانية نزعاتهم وبدلت من عاداتهم، ثم كتبوا ما كتبوا وهمُّهم تقرير الملموس دون تدوين المحسوس. وأما القسم الثاني فأصحابه - وفي مقدمتهم أحمد زكي باشا في كتابيه (السفر إلى المؤتمر) ثم (الرحلة الكبرى) والبتنوني (رحلة الأندلس)، ومصطفى فرّوخ - (رحلة إلى بلاد المجد المفقود) بيروت - فقد عدوا أسبانية (الفردوس المفقود) فأطلقوا ألوان شعورهم تحسراً على ما ضاع وفخراً بما كان وغضباً مما حدث وفيهم المؤرخ والشاعر والسياسي والاجتماعي والفنان. ثم رأوا أهل أسبانيا قوماً لهم معايب ومحاسن. أما هذه فترجع في الغالب إلى أرومتهم العربية، وأما تلك فتصدر في الغالب عن الحضارة الأوربية وعن العنصر الأسباني الأول. فجاءت كتابتهم أقرب إلى التأثر منها إلى