مدى ما بلغته من المدينة ومقدار ما أدركته من الحضارة، ثم عاد ليكتب مؤلفه أو رحلته إلى الغرب. وقد صدر هذا الكتاب منذ أسبوعين فأثار ضجة كبيرة وكان لصدوره صدى عظيم خصوصاً في إنجلترا. فقد أرسل المؤلف لسانه في الحضارة الإنجليزية، ونال منها بقلمه ما لم ينال منها قلم آخر من قبل. وقد تصفحنا الكتاب فرأينا المؤلف يكتب كوطني هندي ينقم على الإنجليز كل ما تلقى الهند من مصائب ويعزو إليهم تأخرها وانحطاطها بما سلطوا عليها من رجال (الطبقة الثانية) كما يسمى القائمين بالأمر منهم في بلاده، ويقصد بهم هذه الفئة العسكرية التي تتكلم بالسيف وبالمدفع، وتحكم الملايين من بني جلدته بالحديد والنار، وتضحك على عقول أغنياء الهنود باللآلئ والأحجار الثمينة، في حين تنكر الخبز على الفقراء والملح على المعوزين
وليس على المؤلف في هذا ملامة، ولا عليه من تثريب لكن الملامة والتثريب في هذه النظرة السوداء القائمة التي ينظر بها المؤلف إلى أرقى حضارات التاريخ، ثم هذا التقرير الوجداني المتفزز لثمرات تلك الحضارة. . . وما دام يفكر الهنود بمثل تلك العقلية فلن يخلصوا من ربقة الاستعباد. . . وقد شهدنا كيف انهزم مغزل غاندي أمام أنوال لانكشير، وكيف انكمش غاندي وتقاعس، لأنه لم يتخذ الوسائل الحديثة لتدعيم الحركة الهندية، بل آثر عليها المغزل والعصيان المدني والصوم. . . وهي وسائل ضعيفة واهية هي إلى الشعر الصوفي أدنى من البخار والكهرباء والغازات.
وفاة الشاعر محمد إقبال
يعز على الرسالة أن تنعى لقرائها وللعالم الإسلامي خاصة والعالم الإنساني عامة وفاة الشاعر الفيلسوف محمد إقبال الهندي الذي وقف ذكاءه المتوقد وعلمه الواسع وشاعريته السماوية على الإشادة بفلسفة الإسلام ومقاصده العالية، ودعوة المسلمين إلى أن يعتصموا بها فلا يتهافتوا في مهالك العصر الحاضر. ولم يقصر في دعوة البشر كافة إلى الوئام والسلام والسمو فوق السفاسف التي يعتركون عليها والمذاهب المعوجة التي يوغلون فيها. وقد خلف إقبال للأدب والفلسفة كتباً كثيرة في الأوردية والفارسية والإنجليزية هي تراث عظيم من شاعر فيلسوف كبير. وستقضي الرسالة في أعدادها التالية حق الرجل النابغة الذي عرفه قراؤها فيما تُرجم من شعره ورُوى من أخباره