للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: إن بشر فارس وغيره من الكتاب الشرقيين يغترفون من معين واحد؛ وإذا اغترف كاتب من معين، فمعناه أنه تلقن مبادئ وأساليب معينة. إلا أن هناك من يكتب وقد اخذ متثبتاً بما تلقنه، ومن يكتب وقد خالط ما تلقنه خيال طارئ

هذا وقد أعطيت الشيطان حقه حينما أنصفت بشر وتوفيق الحكيم بما نصه: (إلا أن لكل منهما طرائقه في التعبير عن رمزيته) فالأستاذان كاتبان مجيدان في الرمزية، ولكل منهما سحره فيما يكتب، ولا يضير الاثنين أنهما يصدران عن نبعة واحدة مادامت طرائق كل منهما تحمل طابع شخصية مستقلة

وزيادة في الإيضاح أقول إن منحى بشر فارس في الرمزية هو منحى يقوم على التأثر الدفين تمازجه الوجدانيات والفلسفة، في حين أن منحى الأستاذ توفيق الحكيم يأخذ سمت السخرية بالعواطف ليدلل على إفلاسها أو ليناقش عابثاً هازئاً بمدركات مجردة؛ وكلتا الرمزيتين لها طلاوتها، ولها فلسفتها، ولها أسلوبها في الكشف عن الغامض والمبهم والتائه في لفائف الروح

أما ما ذهب إليه الدكتور فارس من أن مسرحيته تستقر في الرمزية المستحدثة - فأمر لا يغير شيئاً من منحى مسرحيته مادامت تصعد إلى الرمزية الأولى التي شرحناها أنا والدكتور بشر. فروايات (إدمون روستان) مثلاً تعتبر من صميم الرومانسية، وهي مع ذلك من الرومانسية المستحدثة كما يقول النقاد

وما الرمزية إلا خلجة من خلجات النفس خرجت ولها طابع خاص لم يلبث أن خالطته ألوان نفسية جديدة قد تحور من مظاهرها وتبدل من أشكالها، ولكنها لا تطغي على صميمها؛ وشأنها في ذلك شأن أية عاطفة بشرية. ولو أردنا أن نحصي الألوان التي داخلت الرمزية منذ نشأتها لتعذر علينا البحث ولأعيانا الأمر ولوقفنا موقف من يريد أن يقسم الشعرة الواحدة من الرأس إلى أربعة أقسام كما يقول الفرنسيون!

يبقى بعد هذا أن أبدي سروري بأنني كنت في طليعة من نوه بمقام مسرحية (مفرق الطريق) وأنا الرجل الذي يشغله المسرح عن كل شيء عداه. ويسرني أيضا أن أرى هذه المسرحية تشغل تفكير نخبة من الأدباء أمثال أمين الريحاني وميخائيل نعيمة، وحافظ محمود، وكامل محمود حبيب، والأب العلامة الكرملي، وصديق شيبوب وغيرهم. وأعجب

<<  <  ج:
ص:  >  >>