يتلاشى شيئاً فشيئاً، وبدأ ظل الولاة من العرب يزول بإحلال الولاة من الأتراك محلهم؛ ولم يحكم مصر بعد ذلك عربي إلا إذا استثنينا عنبسة بن اسحق (٢٣٨ - ٢٤٢هـ) والخلفاء الفاطميين.
تم فتح مصر على أيدي جند العرب، ولم يشأ عمر أن يقطعهم أرضها ليكونوا على أهبة الاستعداد لتلبية نداء الجهاد وفتح البلاد المجاورة لمصر لتأمن مصر نفسها وليستقر بذلك سلطان العرب فيها. وقد فتح العرب في ولاية عمرو بن العاص الأولى بلاد برقة سنة إحدى وعشرين للهجرة وطرابلس في السنة التالية وغزوا إفريقية سنة ٢٧هـ تحت قيادة عبد الله بن سعد (٢٥ - ٣٥ هـ) والى مصر إذ ذاك، وهزموا الروم في هذه البلاد وقتلوا ملكهم، وخربوا قاعدة ملكه وتوغلوا في بلاد إفريقيا وصالحوا أهلها، وغزوا بلاد النوبة سنة ٣١هـ حتى وصلوا دنقلة، وفي هذه السنة اشتبك الأسطول المصري مع أسطول الروم فأنتصر الأول في واقعة ذات الصواري، ثم عزوا طرابلس مرة أُخرى في ولاية عمرو بن العاص الثانية.
ويظهر لنا أن هذه الغزوات لم يكن القصد منها الاستعمار لهذه البلاد وإدخالها في حوزة العرب كما كانت الحال بالنسبة إلى مصر، وإنما كان قصد الخلفاء وولاتهم على مصر القيام بها لتأمين مصر من الغرب والجنوب ولذلك كان فتح بلاد المغرب.
وكان العرب يقنعون بما يصيبونه من الأسلاب والغنائم وظلوا على ذلك حتى تحولت وجهة نظر الخلفاء، فأخذوا يهتمون بأمر بلاد المغرب بوجه خاص، فأرسلوا إليها الجند للمحافظة عليها، وقلدوا ولايتها ولاة مستقلين في الحكم عن أمراء مصر أو نائبين عنهم في حكم هذه البلاد إذا جمع بين مصر والغرب لوال واحد.
وقد قام المصريون بدور هام في الغزوات البحرية في هذا العصر، فقد بني مسلمة بن مخلد (٤٧ - ٦٢هـ) في جزيرة الروضة داراً لصناعة السفن وإصلاحها. وكان لبناء هذه الدار فوائدها في حروب مصر البحرية، فقد غزا رودس الأسطول المصري، جهزه عقبة بن نافع سنة ٤٦هـ وتم له فتحها سنة ٥٣هـ ولما جاء عهد سليمان بن عبد الملك (٩٦ - ٩٩هـ) أصبح لمصر أسطول قوي شارك أسطول الشام في غزو القسطنطينية وإن كانت هذه الغزوة قد عادت على الأسطولين المصري والشامي بالفشل.