الفكر والإحساس، ومن شعر بقلبه يهتز بين جنبيه مختلجاً حائراً بين إحساس وإحساس وبين فكرة وفكرة.
غير أن (لكن) ثابتة كما قلت يا سيدي قد نطق بها القدر أيضاً حين دفع بالأدباء والمفكرين إلى الوجود وأرفقها بصيحة ألقاها في وجوههم قائلاً: (اذهبوا فإن لكم الفكر ولكن. . .) فبلغت (لكن) هذه من شدة دويها مبلغاً جعلهم شديدي الإنصات إليها، حريصين على ألا يفوتهم سماع الصدى الهائل الذي ينبعث من انفجاره في أنفسهم، فيتفتح فيها من جراء هذا الانفجار منافذ وأبواب على العالم الغامض، لينطبع على صفحات هذه النفوس كل صورة ومشهد من صوره ومشاهده، وكل ما يحوي من حقائق مرة لاذعة، وخيالات جميلة عذاب.
ولا أخال الجماعة الذين أدركوا معنى (لكن) هذه وسيروا غورها العميق فعرفوا أن باطنها يحوي متعاً من الحياة قد سلبهم إياها الفكر والشعور ليمنحهم نعمة الشفاء ولذة الألم - قد يحسدون يوماً من الأيام بقية الناس الذين نعموا بالحياة وبكل ما تحويه الحياة وحرموا نعمة واحدة هي أسمى النعم وأرفع اللذات وأعنى بها نعمة الشعور الذي يولد التفكير الصحيح.
وإذا حملهم أحياناً فيض شعورهم لشدة ما ينتابهم من جرائه على حسد ألئك، فان هذا الحسد لا يدون إلا لحظات، ولا يطول أكثر من فترات. ذلك لأن (النوع) الرفيع العالي الذي يطبع سعادة جماعة الفكر والأدب بطابعه السحري، لا يستطيع غيرهم من الناس إدراك كنهه العميق وليس بوسعهم بلوغ قمته العليا.
وهل بإمكان البواعث التي يسعد بها الناس أن تبعث في نفس الأديب أو المفكر أية سعادة ما؟
وهل تسر هذا الأديب أو ذاك المفكر نفس المسرات التي يغتبط بها بقية الناس؟
قد تسعد الأديب ذات البواعث التي تسعد الناس، وقد تسره الأسباب التي تسرهم، غير أن ما يميزه عنهم ويجعل فروقاً بين سعادته وسعادتهم وسروره وسرورهم هو ما يمكن أن تخلفه هذه السعادة وذاك السرور في نفسه من عميق الأثر وما قد ينتج عن هذا الأثر من معان وفكر قد تحولها - أي السعادة والسرور - إلى عكسهما بعد أن يخضعهما الأديب إلى قوانين التحليل والتدقيق.
ولكم سخر أدباء من سعادة كثير من الناس وفضوا عليها شقاوتهم وحيرتهم! ولكم لام