للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يبحثون ولا يؤلفون؟؟ وما لك لا تجد في أيديهم - إذا وجدت - غير الأوراق التافهة من كتب ومجلات؟؟ وما لك لا تجدهم إذا بحثت عنهم في غير أوقات عملهم - إلا مكدسين في القهوات يتكلمون كثيراً في غير ما شيء، ويضحكون كثيراً على لا شيء؟! ما لهم لا ينتظمون في الجمعيات الإصلاحية المختلفة؟ وما لنواديهم تبقى خاوية على عروشها بينما هم يعمرون ما تحتها مقاهٍ وحانات؟! ثم ما لآرائهم الاجتماعية والسياسية تضطرب فهي آناً مع الحق الذي لا تعرفه! وآناً مع الحق الذي لها فيه غنم أو لذويها فيه نصيب! وآناً ثالثاً مع كل قوى التعبير جعجاع القول مموه الخطابة زائف المعنى؟! الأدب الرفيع في مصر هل له حياة عند غير أهله وعارفيه وهم أقل القليل؟ والعلم الدسم في مصر هل يجد له شارباً حتى من أولئك الذين درسوا فيه شيئاً، فلما نالوا (الشهادة) وكسبوا الوظيفة ركلوه بأرجلهم ومضوا يشبعون كل شيء غير العقول؟!

ذلك وكثير غيره واقع وملموس!! فالمتعلمون هنا يتعلمون للعيش فحسب؛ والعلم عند أكثرنا وسيله لا غاية قط، والطريقة التي (نتعاطاها) بها كانت وما زالت في بعض نواحيها رثة بالية لا تحببنا فيه ولا تحببنه فينا، ولذلك ما نلبث أن نهجره وما يلبث أن يهجرنا!. ومن هنا لا تعجب قط إذا أدركت في متعلمينا عقول العصافير، وسمعت منهم زقزقة الطير، وتبينت في أنوفهم هذا الكبرياء وذلك الغرور، ولاحظت في حياتهم هذا الإقفار الأليم من (دنيا العقل) وسلطان العلم!

لست أنكر أن في الجامعة بعض ما قد ينشر بجيل جديد! ولكني ما زلت أخشى أن تطغى الحياة القاسية على الشباب الموموق فتزيل من نفسه ذلك التعلق بالحياة العلمية كما قد أزالته حتى في الكثير من رجال البعثات أنفسهم!! ذلك أن هذا التعلق مصطنع ودخيل وحديث، ولذلك ما يلبث أن يخمد في الكثيرين فإذا هم يسيرون في التيار العام ناسين أو متناسين آمالاً باسمة وأطماعاً هائلة!! ولست أنكر أن فينا من يؤلف وينتج ويخرج من الآثار الأدبية والعلمية كل ثمين قيم؛ ولكن ألا ترى معي أن علمنا ما زال عالة على علم الغرب، وأن تأليفنا يقل فيه (الإبداع) أيما قلة، وأن الكثير من رجالنا إما (معربين) فحسب، وإما (ملخصين) لا غير، وإما (قارئين) مع (الهضم) أو (عدمه)؟ ثم ألا ترى معي أيضاً أن الدولة مقصرة في حق رجال الأدب والعلم أيما تقصير، وأنها إذا كانت لا تعمل على

<<  <  ج:
ص:  >  >>