إن ليدر شوبرت تمثل كل صفات الإبداع والابتكار التي أوجدتها الطبيعة فلا تجد فيها شيئاً مصطنعاً لأنها ليست نتيجة الثقافة، ولم تتفتح في حدائق المدنية بل تفجرت كالسيل في محراب عميق بطبيعة لم تنتهك حرمتها؛ وترى موج الألحان يسيل منها كمنبع لا ينضب ماؤه. تتسرب موسيقاه إلى أعماق النفس فتهيمن عليها ويشعر الإنسان حينما ينصت إليها بتأثير لا يستطيع أن يثبت أمامه كما نفتتن بصباح جميل عليل النسيم من أيام الربيع وقد كسا الطبيعة بأبهى حلله وعطر الأرجاء بعبقه الشذي. وقد تناول في تلحينه ليدر جوت وشيليروهين وولتر سكوت وأوسيان وغيرهم من الشعراء
الموسيقى الدينية
يذكر الناس أن شوبرت عرفنا بحالته النفسية في خطابه الذي كتبه في يوليه سنة ١٨٢٥ عندما لحن نشيد العذراء إذ قال:(لا يمكنني أن أتناول موضوعاً دينياً ما لم أشعر بالتقوى حينما تتملكني. ولم يكفه أنه أقتعد أرفع مكانة في الليدر والسانفوني وموسيقى الغرف بل أراد أن يثبت للجمهور مكانة لا تقل عنها رفعة في الموسيقى الدينية
وخلاصة القول أن شوبرت يعد من أكبر الشخصيات التي يشار إليها بالبنان في عالم الموسيقى. وقد اختطفته المنية وهو في نضرة شبابه أي في الواحدة والثلاثين؛ ولو عاش لجلس مع كبار النوابغ في صف واحد. وكأنه أحس بقصر عمره فطفق يسرع في إنتاجه بشكل أدهش الناس كما فصلنا ذلك في موضعه. وكان يتعزى في بؤسه وسوء حظه وسقمه بأصدقاء حميمين يحيون معه هذه الحفلات الفنية البريئة حتى ينسوه آلامه. وهناك كان يرتجل الليدر الشجية. تلقى دروسه الأولى بشكل ناقص لا يثمر ولكنه كان معلم نفسه. وكان أستاذه هولزر يبتدئ له بالقاعدة فيسبقه بتعريفها بإلهامه وذكائه فكان يقول له: (إنني لا أستطيع أن أفيدك شيئاً!) وقد وهب شاعرية موسيقية لم يوهبها غيره تفيض على تلحينه فتكسبه أرق العواطف وابلغ التعبيرات وأدق الأوصاف، هذا بخلاف رنة الحزن الحلوة التي تسود تلحينه وتصل إلى سويداء القلوب
كان طيب مرهف الحس محباً للخير لا يحسد غيره من كبار الموسيقيين بل كان يعجب بهم ويغبطهم؛ وكان محبوباً لدى الشعب قبل الأخوان. كانت موسيقاه في تقدم مطرد نحو الرقي والكمال بدليل أن مؤلفاته في سنيه الأخيرة كانت من أرقى ما كتب؛ ولو طال عمره قليلاً