نفسه شهوة لها أشد من شهوة كازانوفا؛ ولكن ماذا تفعل به وهي من المحصنات ولها زوج كريم؟ فصدته عن السوء، وكفته عما أخذ بأطرافه من مراودة عن نفسها، فلم يستعصم، وما يئس. وحين لم تستطع على جماحه كبحاً، أمرت الخادم أن لا تفتح الباب للكاهن. فلما أحس مقتها ونفوها، فار الدم في عروقه من الغيض وثارت في صدره وساوس الحقد والثأر، فآلى على نفسه أن يهدر سعادة المرأة الشريفة ويذيقها العذاب الأليم، فنصب لزوجها شراك الشر وشباك الضلال، بتسخير امرأة خليعة ما جنة تغريه بالمعصية وتغويه بالفجور، وقد ترضاها الكاهن بشفاعة وغفرانه فأذعنت له وصرفت الزوج عن امرأته وبيته، ثم عاود الكاهن زوراته لعل المحبوبة الأنوف تخفف من غلوائها وتفئ إلى حبه، فتبرمت به وهدمت بعفافها زهادته الكاذبة وتبتله الموهوم
هذا طرف من سياق الرواية الطريفة (بونا انطون) وهي رواية حافلة بالتحليل العميق والوصف الدقيق، وقد فاضت بالحياة الصاخبة ونضحت بالصراحة العارية. كل سطر فيها كالعرق النابض، وكل قارئ لها كالطبيب الحاذق يستطيع أن يعرف حالة عرق فيصف دواء الأخلاق المريضة
لما نشر الأستاذ كرم ملحم كرم روايته في بيروت قامت عليه قيامة رجل من رجال الكنيسة فأقام الدعوى على الأديب القصصي، وادعى فيها أنه هو المقصود بالأب انطون، واخذ يؤلب الحكام عليه ويسخر بعض الموتورين لذمة وتسفيه روايته واستهجان ما فيها، فذكرني مرة ثانية بما كان من أمر القصصيين الغربيين وكيف أقام عليهم الدعاوى أناس ظنوا أنهم هم المقصودون في القصص، ثم خرج كتابها أبرياء، ونفضوا عن أكتافهم غبار الأعداء، فطاح به الريح وأذراه في هبوبه وذاب رغاؤهم وزبدهم، وبقي القصاص وضاح الجبين مرهف القلم رفيع الهدف، لأنه هو الذي ينفع الناس، وهكذا خرج الأستاذ كرم ظافراً مغبراً في وجوه حساده وأعدائه، وبقيت روايته حية خالدة
إن القصة العربية آخذة في السمو والإشراق، ولا يمضي عليها ردح من الزمن حتى تسابق القصة الغربية وتماثلها قيمة ومقاماً؛ فالأقلام تمارسها بقوة ورغبة، والقراء يتقبلونها بشوق ولذة. ولا بدع إذا نهضت القصة والرواية في لبنان فان الأستاذ كرماً مهد السبيل لهذا الفن العريق فيه عهداً جديداً. وها إن المطبعة العربية في لبنان تزجي إلينا القصة أثر القصة،