فجيش الجيوش ونشأ القواد وأحيا روح البطولة في رجاله، وهم بطبعهم من سلالة جبلية فيهم شيمة القبيلة وطابع العنصرية. ولما مات فيلبس ورث عنه الاسكندر فيما ورث جيشاً منظماً كان قد أعده للزحف على الشرق عشية مقتله. ولو أردنا أن نعدد الوقائع الكبرى في تاريخ الاسكندر لما عدونا الثلاث عداً. هي: موقعة غرانيقوس وموقعة إسوس وموقعة أربل. أما ما بقي بعد ذلك فليست مواقع كبرى، وما عدا ذلك من حياة الاسكندر فحصار لبعض المدن ومخاطرات هي إلى الجنون أقرب منها إلى العقل. فهل جميع هذه المقدمات المادية الثابتة، والتي يزيدها ثباتاً تقلقل الإمبراطورية الفارسية في عصر دارا الثالث واستخدامه لمرتزقة من الأغارقة عملوا في جيشه جنوداً وقواداً، كانت تمحي وتزول لو لم يظهر هذا الاسكندر؟ إني أعتقد أن الاسكندر لو لم يظهر لظهر غيره ففعل فعله، وبقي غدير التاريخ متدفقاً في نفس الاتجاه وإلى الغايات التي رسمتها جميع هذه المقدمات التي ذكرنا
إن الإنسانية ولا شك تقودها يد خفية، ما الاسكندر وهينبال وأوكتافيانوس إلا ألاعيبها، وما هم إلا الكرات التي يضربها الصولجان إلى الأهداف المرسومة، ما هم إلا اللحن الذي يسجله القدر على صفحات التاريخ.
فلسفة وفلسفة
الصورة التي تلابس الفلسفة لا تحبكها الطبائع الخاصة لكل جيل من أجيال البشر ولا طبيعة البقعة التي يحتلها ذلك الجيل من كرة الأرض لا غير، بل إن للنظامات المدنية وأثر المعاهد في حياة الحكومات والأفراد أثراً فيها كبيراً. أما إذا أردنا أن نجلو عن هذه القضية فينبغي لنا أن نمضي في مقارنة نسوقها في الفارق بين أمتين كبيرتين من أمم العصر الحاضر، امتازتا بضربين من الفلسفتين لكل منهما طابع مستمد من خصائصهما الأصيلة، هما إنجلترا وألمانيا
إن نظرة دقيقة لتثبت لنا أن فلاسفة الألمان يشغلون في عالم الآداب الإنسانية مكاناً غير المكان الذي يشغله الإنجليز. وأول شيء يستلفت النظر أن النبع الذي يفيض بالفلسفة في إنجلترا، بصرف النظر عن بعض الشواذ، لم يكن الجامعات الإنجليزية، ولا الرجال الذين اشتغلوا بمهنة التلقين فيها. هذا على العكس مما هو في ألمانيا، فإن كنز الفلسفة ومشعل