الخصوص؟؟ الحق أن دراستي الاجتماعية في مختلف البيئات الأوربية قد كشفت لي عن فقر مدقع وفوضى أليمة يسيطران معاً على حياة المثقفين عندنا ويملآنها بشتى صنوف العبث والإسفاف والجهل والاضطراب؛ وهاك بعض ما يثبت ما أقول:
الوقت والفراغ والذوق
والوقت كما تعرف سيف قاطع؛ فهل ترى الخريجين يستغلون كل ساعاته ودقائقه فيما يعود عليهم بالخير؟؟ ألا كم من ساعات وأيام وأسابيع تمر عليهم دون أن يخرجوا منها بشيء!! وألا كم من لحظات تسألهم عما يفعلون فيها فيجيبونك بأنهم إنما (يمضون الوقت) فحسب، ومعنى هذا أن الوقت عند خريجينا لا قيمة له ولا خطر، وأنهم لا يحرصون بعد إذ ينالوا درجاتهم العلمية على حسن الاستفادة منه في كثير ولا قليل، فأن هم قصدوا بعد ذلك إلى الترويح عن نفوسهم أثناء فراغهم من عملهم اليومي فقلما يأتي ذلك الترويح على ما ينبغي أن يكون! ذلك أنهم قليلاً ما يغشون الحدائق العامة أو يزورون المعارض الفنية والمتاحف العلمية، أو يطرقون المواقع الهادئة الخالية من الحركة والضجيج، ونادراً ما يمارسون الرسم أو التصوير أو القراءة الأدبية أو الأشغال اليدوية الفنية وشبه الفنية؛ وأغلب ما عساك واحدهم فيه بعد هذا هو المقاهي حيث يتحدثون حديثاً تافهاً أو يهذرون هذراً فجاً. أو المسارح الخليعة حيث يصفقون للرقص المبتذل، ويضحكون على النكات السمجة، ويعجبون بالفن الذي هو والتهريج سواء، أو دور السينما حيث يشهدون ما تزدحم به الحياة الغربية من حب غير مشروع ومن استهتار أليم يغذي خلق الفتيات والفتيان عندنا بأسوأ الدروس! أليس كذلك؟ حدائقنا الجميلة العامة من يملؤها وينعم بها كل يوم وكل أسبوع غير الأجانب؟ وتمثيلنا الفني الراقي ألم يكد ينتحر تحت ضغط المسارح المبتذلة والأفلام الكثيرة ذات المعنى السطحي والعرض الخلاب؟ ومعارضنا الفنية الراقية من يزورها ويطيل الوقوف فيها ويشجع ذويها بالشراء والإعجاب غير أقل القليل من المثقفين؟ ومحاضراتنا العلمية أو الفنية من يتردد عليها ويستفيد منها غير جمهور (الطلبة) على وجه الخصوص؟ والاطلاع الأدبي الفني هل تجد له أثراً عند غير رجال الأدب كالمحامين والأطباء والمهندسين وغيرهم من أولئك المعتزين بثقافتهم ومهنتهم اعتزازاً لا يرون معه أن للأدب أو الفن فضل في الحياة أو نفع؟ ومجالسنا الخاصة ألا يدور فيها الحديث التافه والنكات