العزيز حيال الغرب المقتدر، يحاوله في وجوده، ويصاوله على استقلاله، فتخفف الترك من تكاليف الماضي المشترك، وفروا بأنفسهم آوين إلى الأجواء الغربية، تاركين للعرب والفرس إنهاض الشرق الإسلامي اليوم، كما أنهضوه من دونهم بالأمس، فلم يكن للشقيقتين العريقتين بد من التكاتف على حمل هذه الأمانة العظيمة
إن الروابط الدينية والثقافية والتاريخية والاجتماعية التي تربط الفرس بالعرب لا يقوى على فصمها الدهر، لأنها جزء من وجودهما العقلي والروحي لا سلطان لنعرة الجنس عليه، ولا حيلة لأهواء السياسة فيه. وسيكون هُّم القيادة في الشعبين إحكام هذه الروابط بالتآلف والتحالف والمودة لأن، وَحْدة الغرب تقتضي ضم الشتات بإزائها، ونهضة الشرق تتطلب التكاتف على حمل أعبائها
إن مصاهرة إيران لمصر حادث جليل المغزى سيكون له في سياسة الشرق الأدنى عظيم الأثر. وبحَسْبك أن تعلم أن طهران كادت تنهج سبيل أنقرة في مجافاة الإسلام ومجانبة العرب، فاتصالها بالقاهرة المحافظة على عقيدتها وشرقيتها وتقاليدها يفصلها عن القافلة الشاردة، ويمُسكها على سَنَنِها الموروث، فتتطور ولا تتغير، وتتقدم ولا تحيد. فإذا نظرتَ إلى ما وراء ذلك رأيت هذه العلاقة الملكية الكريمة سفير وئام وسلام بين دولتين تجاورتا خمسة عشر قرناً ولا تزالان تطويان الصدور على حزازات الماضي. وستكون فاتحة الخير أن ينعقد في حاضرة النيل مجلس إسلامي عام ينتظم أقطاب الدين والعلم في أقطار الإسلام ليديروا الرأي فيه على ما أصاب المسلمين من صَدَعات الشيَع وضلالات البدع واختلافات المذاهب. ومن اليقين الجازم أن الدين - وهو دستور الأمة الإسلامية - إذا خلص من شوائب الجهل والغرض ضمن لأهله وحدة الرأي ووحدة الهوى ووحدة الغاية
ذلك إلهام الله في سياسة الفاروق المعظم. فهو يدبر الأمر ويمضيه على توجيه من فطرته ودليل من قلبه. وكأنما اصطفاه الله اصطفاءً لهذه الساعة المشهودة من حياة الشرق، فزوده بالقول الثابت والرأي الثاقب والسداد المرتَجَل والتوفيق الملهَم. فهو يولي وجهه شطر النور الأزلي الأبدي الذي ينبثق في مثل هذه الفترات المرَيجة فيبدد ظلام الحيرة، ويجمع شتات الوحدة، ويسدد الخطى الضالة في الطريق الأمينة
إن دلائل الحال تعلن أن عهد الفاروق الموموق سيكون عهد الوحدة العربية، والجامعة