القطر الثانية، أو في عاصمة الثقافة الشرقية على عهد من عهود مصر الغابرة، فان العارفين بالقراءة من المصريين في الإسكندرية لا يقلون عدداً عن العارفين بالقراءة فيها من النزلاء والغرباء، وإن كان فرق بينهما في العدد فليس هو الفرق الذي يكون بين صفر وثلاثين
إنما الفرق الصحيح هو فرق بين أمم تسود وأمم تساد
أو هو فرق بين من يطلبون المعرفة شوقاً واستطلاعاً، ومن يطلبونها تكليفاً واتباعاً، لأن التكليف فرض على المسودين حتى حين يعرفون
بل هو فرق بين النفس التي يبقى فيها جانب يطلب الغذاء بعد أن تشبع المعدة بالخبز والماء، وبين النفس التي يشبع منها كل جانب حين تمتلئ الأحشاء بالطعام والشراب
وذلك هو الفرق الصحيح لا مراء
وفي الطريق من مصر إلى الإسكندرية على جانب الصحراء أديرة قديمة نعلم عنها من كتب الأجانب ما لسنا نعلم من الكتب العربية جمعاء.
ذهبت إلى الإسكندرية ومعي كتاب ضخم بالإنجليزية عن هذه الأديرة يقع في نيف وخمسمائة صفحة كبيرة بين كتابة ونقوش
لمن كتبه الكاتب؟
وماذا يعني القراء مما كتب؟
كتبه للمعرفة، ويقرأه القراء للمعرفة؛ وليس من سبب غير المعرفة يساوي الجهد المبذول فيه والثمن المقدور له والوقت الذي انقضى في تحضيره وتأليفه وضبط نقوشه ورموزه وتواريخه
أما هذا السبب فلعله آخر الأسباب التي تدفع الجمهرة عندنا إلى فتح كتاب، فضلاً عن تأليف كتاب
من يطلب المعرفة لفائدة يحصرها في المأكل والملبس والمسكن وما هو في حكم الطعام واللباس والبيوت، فإنما هو مسوق إلى ما يطلب، وإنما هو عبد في جهله وعبد في معرفته على السواء
ومن يطلب المعرفة لأنها المعرفة، فذلك هو السيد وتلك هي السيادة؛ وحسبه أنه هو يريد