للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لما أن وجدت أن عدداً عظيما من الناس ليس لهم أية فكرة في تلك المشكلات التي تساورني، وهم مع ذلك لا تختلجهم الشكوك فيما يتلقى في المدارس أو في الوجود عامة أو في المادة أو في الروح إلى غير ذلك؛ ورأيت أنهم يهزءون من رغبتي التي تدفعني إلى معرفة هذه الأشياء واستيعابها، شرعت الريبة تداخلني في ضرورة معرفتها؛ وتخيلت أن الطبيعة قد أعطت لكل مخلوق نصيباً هو حقه الطبيعي غير زائد ولا منقوص، وإذن تكون تلك الأشياء التي لا نستطيع أن نعرفها، ليست من نصيبنا، ولكن بالرغم من هذا اليأس، فأني لا أقدر على أن أجرد نفسي من الرغبة في أن أتعلم، فان حب الاستطلاع نزعة سوف تظل غير مكفية في نفسي.

٥ - أرسطو طاليس وديكارت وغسندي

بدأ أرسطو طاليس كلامه بالقول بأن الشك نبع المعرفة، وتابعه ديكارت فانتقل بهذه النزعة خطوة أخرى حتى لقد علمني كلاهما بألا أعتقد في شيء يقولانه. وديكارت هذا على الأخص بعد أن ادعى أنه يشك، مضى يتكلم بأسلوب تقريري حاسم في أشياء لا يفهمها. يقول أنه موقن بالحقائق، بينما تجده على خطأ كبير في طبعياته. لقد بنى ديكارت عوالم وهمية، فان حلقاته الزوبعية وعناصره الثلاثة، أمور تثير الضحك، حتى لقد أشك فيما قال في النفس، إذا قست علمه بها على علمه بالأجسام

هو يعتقد، أو بالحري يظن أنه يعتقد، أننا نولد مزودين بفكرات غيبية، فهل يحق لي أن أقول بناءً على هذا أن هوميروس قد ولد مزوداً بالإلياذة، وأنها كانت كامنة في تضاعيف ذهنه. مما لاشك فيه أن هوميروس قد ولد وذهنه مهيأ لأن يستوعب فيما بعد فكرات شعرية، بعضها جميل، وبعضها متضارب، وفي بعض الأحيان مصبوغة بالمغالاة، وفي النهاية استطاع أن يؤلف الإلياذة، إننا إنما نولد في هذه الدنيا وفينا البذرة التي تتمخض عما سوف نكون، ولكن الحقيقة أننا نولد وليس فينا من الفكريات الفطرية أكثر مما كان عند روفائيل وميكال انجلو من أقلام وألوان عند مولدهما

يحاول ديكارت أن يوحد بين خيالاته تلك، بأن يفرض بأن الناس يفكرون دائماً. من هنا أستطيع أن أفرض أيضاً أن الطيور تطير على وجه الدوام، وأن الكلاب تجري فلا تقف،

<<  <  ج:
ص:  >  >>