هذا الغرض لم يكن معه هو ما خيل لك من الجمال، فهو على الحقيقة (باعتبار الفكرة المجردة لا جمال فيه)(لاحظ هذا) إنما أنت صبغته وأنت أوقعته ذلك الموقع من نفسك فالنتيجة من ذلك أن الأشياء تحزننا (أي لا نراها جميلة) كلما ابتعدت من عالم الفكرة واقتربت من عالم الإرادة، وأنها تفرحنا كلما ابتعدت من عالم الإرادة واقتربت من عالم الفكرة.
(وهذا الرأي هو الرأي الصحيح في معنى الجمال وبه يوؤل اختلاف الناس في تقدير جمال الأشياء، لأن الجمال في أهوائهم وأذواقهم ومعاني نظرهم)
وإن الإنسان ليفغر فاه عجباً من هذا التلخيص الرافعي لنظرية شوبنهور بل هذا المسخ الذي يمسخه للفيلسوف المسكين. ويحار في السؤال من أين وكيف يلتقي هذا الملخص بأصل الرأي، وما بينهما شبه ولا اقتراب في أي لمحة من اللمحات
ثم هذا الخلط بين الرأي الذي جاء به الرافعي وبين رأي شوبنهور، ونسبة كلام إلى الرجل هو يقول ضده تماماً. الفيلسوف يقول: إن الأشياء (تسرنا) كلما قربت من عالم الفكرة وابتعدت عن عالم الإرادة. فيقول الرافعي عنه: إن الأشياء (تحزننا) كلما ابتعدت من عالم الفكرة واقتربت من عالم الإرادة. وهو عكس قول شوبنهور. ثم يعود فيقول:
(وأنها تفرحنا كلما ابتعت من عالم الإرادة واقتربت من عالم الفكرة) وهو عكس كلام الرافعي الأول!! فأيهما يريد؟ أغيثونا بالله يا أصحاب الفهم وقولوا لنا: متى تفرحنا الأشياء ومتى تحزننا؟ وأي القولين ينسبه الرافعي لشوبنهور وأيهما ينفيه عنه؟
ولا يقنع الرافعي بهذا ولكن اسمعه يقول:(على مثل تلك الطريقة من الغباوة. وسوء الفهم وقبح الاجتراء والغرور والحماقة، تجد كل ما يولده العقاد، أو أكثره، ثم يزين له لؤم نفسه وعمى بصيرته أنه هو وحده الذي يهدي إلى سرائر الأشياء ويلهم حقائق المعاني. . . الخ)
ولو أننا نسمو بآدابنا وآداب المجتمع، لرددنا هذه الكلمات إلى من يستحقها - بعد هذا البيان - من الرجلين!
وبعد فقد نشر صاحب (العصور) هذا الكلام في مجلته، ثم جمعه وطبعه وقدم له معجباً مستحسناً. فهل كان يا ترى يعلم هذا الخطأ في الفهم وذلك التخليط، أم لم يكن يعلم؟ وأن كانت الأولى فكيف لم ينبه صاحبه إليه؟ وإن كانت الثانية، فكيف يتفق هذا مع علمه