إنا والله نجل العقاد، ونعرف له منزلته، ونعده في الأكابر من كتابنا، ولكن قوله:
أيها الجيبون انعم سلاماً ... يا أخا العبقري والبهلوان
هذا الشعر يشين طالباً ذكياً لو نسب إليه فكيف بالعقاد العظيم؟
دع الابتداء بـ (أيهذا) وما في هذا الابتداء من ثقل واستكراه، ودع الجيبون التي لو حلف متزوج بالطلاق على أنها لا تدخل شعراً لما أحسبه يحنث. وانظر في (أنعم سلاما) قالت العرب عم صباحاً، جاء في اللسان:(وأنعم الله صباحك من النعومة، وقولهم عم صباحاً كلمة تحية كأنه محذوف من نعم ينعم (بالكسر) كما تقول: كل من أكل يأكل فحذف منه النون والألف استخفافاً) فالنعومة في قول العرب مسندة إلى الصباح الذي هو زمان فإذا نعم صباح المخاطب كان سعيداً مسروراً فما معنى إسناد النعومة إلى السلام، هل المعنى أنه يطلب من هذا الجيبون أن يسلم سلاماً ناعماً؟ وماذا يعني بذلك؟
وانظر في قوله (يا أخا العبقرية والبهلوان)، ودع كلمة (البهلوان) وما فيها من صحة وجمال! وانظر إلى اقترانها بالعبقري تدرك مبلغ ما فيها من الغرابة والثقل على السمع وما فيها من غموض المعنى، حتى أن القارئ لا يفهمها إلا إذا قرأ كتاب دارون. . . مع أن الشعر يجب أن يفهمه كل من كان ذا شعور مرهف، وكان واقفاً على لغة هذا الشعر، فإذا جاوز الأمر هذين الشرطين صار علماً منظوماً! لا فرق بينه وبين ألفية أبن مالك مطلقاً.
والبنون في قوله (كيف يرضى لك البنون مقاماً مزرياً) من هم هؤلاء البنون؟ إن الإقرار حجة قاصرة، وإنا لنسأل الله السلامة من خذلانه! إن هذه النظرية لم تثبت عند أصحاب العلم ولم تصبح بعد حقيقة علمية، أفكلما ظهرت نظرية في الفلك أو الطبيعة، فنظمها أديب، كان بنظمها شاعراً كبيراً؟ فلم لا ينظم الدكتور ناجي إذن في الطب، والمهندس في الهندسة، وأبو شادي في البكترلوجيا، وعوض في الجغرافيا؟ وأي فرق بالله بين نظرية دارون ونظريات غيره من العلماء؟
وتأمل قوله:
(يا عميد الفنون صبراً ومهلا) واترك مهلا التي لم تجئ إلا للقافية. وفكر في هذه الفنون التي صار عميدها قرداً في حديقة الحيوانات ثم انتقل إلى قوله: