للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إن أهل الموصل يحقدون عليك؛ فانزعجت وقلت: كيف؟ فأجاب:

أنت أطلت التشبيب بالعيون السود فغنمت عطف أهل البصرة وأهل بغداد، وخسرت مودة أهل الموصل، لأن عيونهم شهل لا سود. . .

فقلت: أتغزل بالعيون الشهل وأتناسى العيون السود

فقال: كان ذلك قبل اليوم

وتركني وانصرف

وكذلك قضيت نحو ثلاث ساعات في كرب وبلاء

أشهد أن ذلك الصديق طيب القلب، فما تعمد يوم إيذائي، ولكنه سيئ التصرف، فهو يزورني من حين إلى حين ليكدر صفائي، وهو يجد لذة في تنغيص من يعرف، ويشعر بارتياح حين يستطيع إلقاء صديقه في أتون العذاب

وقد وصل في إيذائي إلى ما يريد وخرج وهو جذلان

وفي غمرة هذا الحزن المظلم دخل موصلي آخر، موصلي كريم كاد أهله ينسونني أهلي، موصلي صيغ قلبه من العطف والحنان، فشاع الأنس في روحي حين اغتبقت بروحه الرفيق

وما هي إلا لحظات حتى كنت في القطار وهو يحملني التحية إلى أقربائه بالموصل الجميل

وفي القطار رأيت رجلا بيده مجلة تسمى (الأندلس الجديدة) وهي فيما أتذكر تصدر في البرازيل، وفيها رأيت مقالة في تجريح صديقي العزيز الدكتور زكي مبارك، فابتسمت وقلت: جرحوه كيف شئتم فستطيب الدنيا يوم يصل إلى فؤاده ليلاه!

وكان رأسي قد أثقله النعاس فلم أعرف شيئاً من معالم الطريق

وصلت إلى كركوك بعد عشر ساعات في القطار، وكركوك هي (شهرزور) في كلام القدماء، وفيها تشهد العين لأول نظرة مشاعيل اللهب، لهب النفط، فيدرك العقل أن هذا اللهب هو الذي يجذب الفراش، الفراش البغيض الذي يفد من وراء البحار ليسيطر على ذخائر تلك الأرض، وبعض البلاد تؤذي أهلها بفضل ما فيها من ذخائر وكنوز، والجمال يجني على أهله في أكثر الأحيان

ومضيت فسألت عن رئيس البلدية وهو الشيخ حبيب الطالباني فعرفني بأقربائه ودعاني

<<  <  ج:
ص:  >  >>