عرض الأستاذ علي الطنطاوي في نقده لشعر الأستاذ العقاد في الجيبون لنظرية التطور وذكر أنها لم يؤيدها العلم، وكنا نود لو يرشدنا الأستاذ الفاضل إلى عالم يحترم علمه يدحض هذه النظرية التي غزت جميع المعارف البشرية وبها سهل تعليل كل نظم الحياة. أما إذا كان اعتماد الأستاذ على ما ينشر في الصحف الرخيصة من أخبار مشعوذي العلم الذين يعارضون النظرية ظناً منهم أنها تعارض الدين، فهذا تملق رخيص لعقلية جمهور القراء لأن خصومها لا يعدون بعض جهلة القساوسة الذين يرون فيها الخطر الداهم على مذاهبهم، في حين أن الطبقة المستنيرة من رجال الدين في إنجلترا يرون فيها ما يؤيد دعواهم الدينية، لذلك نرى المطران انج أبرز شخصية في الكنيسة الإنجليزية يعترف بها، ويعظ بها في كنيسته، والنظرية ليست حديثة كما ذكر الأستاذ طنطاوي فقد بصر بها فلاسفة الإغريق والعرب حتى جاء دارون وجمع شتات الأدلة العلمية ونشر كتابه أصل الأنواع ١٨٥٨، فكان أول بحث مؤيد بالأسانيد العلمية في هذا الموضوع تلاه أبحاث كثيرة من علماء آخرين أيدوا وجهة نظر دارون، مثل هكسلي وولاس وهيكل والثير ارثر كيث. ومن المفيد أن أذكر أن ابن خلدون كان مغرقاً في إيمانه بالتطور فقد قال إن الجماد يتحول إلى نبات والنبات إلى حيوان والحيوان إلى إنسان
أما اعتراض الأستاذ على معالجة فنون العلم شعراً فهو اعتراض ليس له وجاهة لأن نظرية التطور علم وفلسفة، فهي رغم حقائقها العلمية لها جانب فلسفي يبعث على التأمل، وقد عاش في القرن الماضي بإنجلترا شاعر لا يحضرني اسمه الآن أطلق عليه شاعر التطور لأنه عالج فلسفة التطور شعراً. وقد نظم المرحوم الزهاوي شعرا عن التطور أعجب به كل من قرأه
والدليل على أن لها فلسفة أن سبنسر بنى فلسفته على نظريات التطور فأطلق عليه فيلسوف التطور. وما يقال عن نظرية التطور يقال عن كل علم من أن له جانباً فلسفياً، وعلى ذلك لا يمنع أن يعالج الدكتور ناجي نواحي الطب شعراً. وقد قرأت للعلامة ماكنزي كتاباً في الفسيولوجيا ختمه ببحث فلسفي بديع عن الموت لو وضع في قوالب الشعر لكان تحفة فنية رائعة. وقد نشرت مجلة طبية فرنسية بباريس تدعى فيلسفون منذ أعوام شعراً لطائفة من أطباء فرنسا عن تأملاتهم في الحياة من الوجهة العلمية يعد بحق نوعاً جديداً في